[COLOR=red]فاطمة الحسن " صحيفة عين حائل "[/COLOR]
من داخل حافلة نقل الطالبات «الباص» تروي «منال» من جامعة الملك سعود، والتي كانت متفاعلة جدا فيما يخص الحافلات وما يدور بداخلها، بعضا من الوقائع التي فاجأتها «في أحد الأيام كنت مستقلة الحافلة التي تنطلق بنا بعد صلاة الظهر مباشرة، وفور ركوبي لم أكن مرتاحة من أولئك الطالبات اللاتي ركبن معي، حيث علمت أن بعضهن لسن من طالبات جامعتنا، وأقصد أن هنالك شللا من الفتيات اللاتي يتواعدن عند بوابة الجامعة لكي يركبن الحافلة معا ويذهب بهن إلى منزل إحداهن، وقد وصل الحد داخل تلك الحافلة أن تقف إحدى الطالبات لترقص من دون أي اعتبار للسائق الذي يعتبر أجنبيا عنها، ما سبب إرباكا للطالبات في الحافلة ويتخلل ذلك الرقص والأغاني التي تتغنى بها بعض الفتيات اللاتي يفضلن الجلوس في الخلف ليجدن فيه الراحة والقدرة على القيام ببعض التصرفات التي لا تليق بفتاة جامعية، أما غرضهن من القيام بذلك استفزاز السائق خاصة إذا كان من الجنسية الأجنبية، والتشويش إذا كان سعودي الجنسية ما يسبب غيرة المحرم هنا، فكثيرا ما يكون السائق برفقة محرم إلا أن الطالبات لا يبالين بوجودها».
وتكشف الطالبة هدى مزيدا من التصرفات السلبية داخل الحافلة «من بين الصرعات، المعاكسة عن طريق البلوتوث أو خدمة الـ«بلاك بيري» واللتين تعتبران آخر صيحة للطالبات مع السائقين، فكثيرا ما تجد اسم السائق في قائمة البلوتوث أو مضافا في خدمة الـ«بلاك بيري» للطالبة وبأسماء مخجلة فيتم التبادل الصامت والشائن في بعض الأحيان بطريقة غير مهذبة، وما يثير الدهشة عندما تجد السائق ينادي أو يستفسر باسم التي وجدت في البلوتوث أمام كل الطالبات في الباص».
وتستأنف منال حديثها من جديد «هناك من الطالبات من لا تعجبهن إجراءات الكبت، كما يدعين ذلك، حيث ينزعن التظليل عن زجاج الباص أو نزع الستائر الموجودة ليستمتعن بالمناظر في نفس الوقت ليزلن الحجاب ليصل للأكتاف، الأمر الذي يجعل مواكب السيارات تتوافد خلف الباص عن جانبيه وأمامه، أيضا ليلحق بالحافلة، الموكب، كما تسميه البنات، والحصول على المعرف أو «رقم البي بي» عند الإشارات، ومنهن من تفتح النوافذ لتفتن من في الخارج أو لترمي وردة ليلحق بها الجميع».
اصطياد الشباب
وتؤدي معاكسة السائقين، في بعض الأحيان إلى أحاديث جانبية، وإغراءات وإلى الزواج كما قالت الطالبة «م – الطيب» التي تدلي بمشاهداتها «شاهدت قصة حب بين سائق وطالبة إلى أن انتهى الوضع بهما أن أصبحت هي المحرم، ولم نكن نعلم إلا ما كان ظاهرا لنا ذاك الوقت من تبادل الورود والرسائل الغزلية وبعض العبارات ونظرات السائق من المرآة، حيث يتعمد بعض سائقي الحافلات تعديل المرآة الأمامية نحو الطالبات جميعا ليمعن النظر فيهن ويبادلهن الغمزات والكلام المعسول، فمنهن من تستجيب ومن لا تهتم بالأمر أبدا، كما أن المسافة التي تقطعها الحافلة لإيصال الطالبات إلى منازلهن طويلة، فهناك من الطالبات من يطلبن من السائق أن يقودهن من شوارع معينة مثل طريق الملك فهد والتحلية وبعض الشوارع الرئيسية ليصطدن منها ما يحلو لهن بالترقيم أو تقنية البلاك بيري أو البلوتوث أو لغرض الفرجة فقط والاستفزاز، ومنهن من يطالبن بتوصيلهن أخيرا كي يستمتعن بالأحاديث والرقص والغناء داخل الحافلة، ولكن لا نتهم جميع الطالبات بذلك، فمنهن من تتقيد داخل الباص بالأدب والحشمة إلا أن هناك فئة قليلة قد تؤدي بمصير هذه الفئة إلى الهلاك، ويخرج بعض السائقين من طورهم بسبب هذه المشاكسات مما يسبب حوادث سير قد يهلك فيها الجميع».
تهور وحادث
وتروي «ش. الغامدي» طالبة المرحلة الثانوية بعض المواقف التي قد تسبب الارتباك للسائق وتشتيت تركيزه فتؤدي إلى حادثة «ذلك الحادث تسببت فيه إحدى الطالبات بسبب صوتها المزعج وكلامها الجارح تجاه السائق، ما جعله يقود بتهور وغضب ليصطدم بحافلة نقل كبيرة وأصيبت في الحادث زوجته وابنته الرضيعة».
ولا تتحمل الطالبات مسؤولية كل هذه الأخطاء، فللسائق الأمي نصيب منها، هذا ما تقوله هيفاء «هناك سائق بذيء اللسان، يشتم ويتلفظ بألفاظ نابية طوال الطريق، مما يسبب الخوف لبعض الطالبات، ومنهن من تركن ركوب الحافلة بعد أن تهجم أحد السائقين على زوجته بالضرب والشتم لأنها كانت متعبة ونامت في المقعد الخلفي في الباص».
مشاكسات
ولا تتوقف مشاكسات الفتيات عند هذا الحد، كما تقول «أسماء» طالبة جامعية «لكل فتاة طريقتها الخاصة في التعامل مع حركة الحافلات، حيث إنه من المتعارف عليه أن هنالك حافلتين؛ الأولى تنطلق الساعة الثانية عشرة بعد صلاة الظهر مباشرة، والثانية تنطلق الساعة الثالثة عصرا، الأمر الذي يجعل العديد من الفتيات المنحرفات سلوكيا يخرجن من بوابة الجامعة على أنهن سيركبن الحافلة الأولى، ولكنهن وفور خروجهن من بوابة الجامعة يركبن سيارات أخرى، ولا نريد أن نبحث خلف ذهابهن معا، ولكنهن يعودن قبل انطلاق الحافلة الثانية بدقائق والتي تذهب بهن إلى منازلهن، وللأسف، فالعديد من أولياء الأمور لا يعلمون عن مثل هذه الأمور الخطيرة والتي تكون الفتيات ضحية فيها».
العكس صحيح
خليل الدوسري، سائق حافلة تابعة لإحدى المدارس الثانوية الخاصة يؤكد أنه يواجه العديد من المشاكل والإحراج من قبل طالبات المدارس، وذلك بعد أن يقلهن من وإلى منازلهن، حيث إن الوقت الذي يخرجن فيه يوافق الوقت الذي يخرج فيه طلاب المدارس والموظفون كذلك «أعمل في هذا المجال منذ عشر سنوات، واعتدت هذه الأجواء اليومية التي طالما تزعجني كثيرا ولكنه مصدر رزقي الوحيد، لقد كنت في السابق أعمل سائق حافلة للنقل الخاص، حيث كان عملي نقل بعض المعلمات من وإلى منازلهن، ولم ألحظ من قبلهن سوى التعامل السليم والعقلانية في التعامل، ولكن فيما يخص فتيات المدارس والجامعات فلا يناسبهن سوى سائق حازم في تعامله معهن، ليس لشيء ما، ولكن لأنهن إذا وجدن أن سائق الحافلة متسامح معهن فسيقلبن عليه الطاولة، وتصدر منهن بعض التصرفات التي لا تليق، حيث تجدهن يعاكسن ويزعجن من في الخارج أثناء تحرك الحافلة، ويعتقد الكثيرون أن الشباب هم من يلاحق فتيات الحافلات، ولكن الحقيقة أن العكس صحيح، فالفتيات هن اللاتي يبدأن بإثارة من في الخارج، الأمر الذي يجعل السيارات تحيط بالحافلات من جميع الجهات، ما يسبب كثيرا من الحوادث».
إجابة شافية
هذه السلبية السلوكية لها مرجعيتها النفسية، وترى الباحثة الاجتماعية والمشرفة التربوية خديجة قاري أن وزارة التربية والتعليم اهتمت كثيرا وأولت اهتمامها بتوفير حافلات نقل للطالبات من وإلى المدرسة، وكان الهدف من ذلك تذليل صعوبة الانتقال من البيت للمدرسة والعكس، كما أنها أولت اهتمامها بتلك النواة المهمة في المجتمع ألا وهي الطالبة، وما كان توفير تلك الوسيلة إلا لخدمة الطالبة في مراحل الدراسة.
وتضيف قاري «الكثير منا يتساءل ويبحث عن إجابة شافية لما يحدث في تلك الباصات، وما يشاهد وينقل من التصرفات الشائنة للطالبات من انحراف في السير المرسوم لهن، والبعد عن الهدف الأساسي إلى أهداف وأفعال يمقتها الجميع، في الحقيقة ومن ناحيتي الشخصية فكلي ألم لما تناقلته الوسائل وما عانته إدارة التربية والتعليم، وما عاناه أولياء الأمور من أفعال تقوم بها الطالبات في الباص من معاكسة السائق مثل الغناء بصوت عال وإزعاجه ومعاكسته، كذلك القرب منه ومحاولة تبادل الأرقام، وما إلى ذلك من قيام بعض الطالبات بتغيير الحافلة المخصصة لحيها للذهاب إلى صديقة لها أو مقابلة شاب بعيدا عن حيها، ونعرف نهاية تلك المقابلات وما تنتهي إليه، وكم من قصص وقعت على خلفية تصرف مثل ذلك، لقد انجرفت تصرفات الطالبات «الحمقاء» إلى أبعد من ذلك حيث إنهن أصبحن يعاكسن من هم في الشارع وعند الإشارات المرورية».
الصفوف الأخيرة
وتستطرد قاري بسرد قصة وقعت في وقت سابق «موقف تذكرته وأنا أقف عند إحدى الإشارات، وإذا بباص مدرسة بنات ثانوية كما يبدو لي لأن أشكالهن توحي بذلك، فتحت إحدى الطالبات النافذة المواجهة لي وإذا بها منقبة وتضحك بتمايل وميوعة مع بقية صديقاتها، ويتغنين على أنغام الأغنية المعروفة «ياهلي لاتحرموني منه» وللمعلومية من المتعارف لدى الجميع أن من يركب في آخر الباص هن من تلك الفئة المزعجة، وفي الحقيقة لقد كانت أولئك الطالبات من ذوات الصفوف الأخيرة في ذلك الباص الأصفر، وعقب أن وصلت إلى منزلي تساءلت كثيرا ولم أجد إجابة تشفي حرقة قلبي على فتيات في مقتبل أعمارهن يقمن بأفعال شائنة كتلك وقلت في نفسي: هل هذه التصرفات من بعض الفتيات طبيعة أهاليهن في البيوت أم هي طاقات لم تستوعب لتسير نحو مسارها الصحيح؟ وهل سائق الباص معتاد على مثل تلك التصرفات وتلك الأجواء؟».
آخر العلاج
وتطرح قاري في هذا السياق تساؤلا مهما وجدت أنه لابد لنا أن نلتفت له ونسأل أنفسنا، وهو ما أسباب تلك الأفعال التي تقوم بها بعض الطالبات بسبب سوء الفهم وعدم الإدراك للنتائج الوخيمة التي نتجت عن تصرفات هوجاء بعيدة عن القيم والمبادئ الإسلامية والتربية؟
«كثير من الطالبات يعشن حالة ضغط أسري، ولا يجدن تنفيسا لذلك إلا من خلال المدرسة، ولا تعير إحداهن اهتماما لتصرفاتها لأنها تجد هناك أرضا خصبة ومشجعة، وربما يرجع ذلك التصرف إلى سوء الرعاية الأسرية كطلاق أو فقدان الوالدين أو أحدهما، والأعظم من ذلك ما تشاهده الطالبة عبر القنوات والتقنيات الحديثة من قلة الحياة وخدش الأنوثة بطريقة أو أخرى، ومن الغزو الفكري الذي دمر الكثيرات وخلع عنهن الحياء، وفي نفس الوقت دعايات التمرد على الأسرة والمجتمع والمدرسة، وأيضا كثرة الملامة على أي تصرف تعمله داخل الأسرة أو في المدرسة جعلت منها متمردة، وتعتقد أن تصرفها هذا إثبات للذات، ولكي نجد حلا لتلك المشكلة داخل الباصات فلا بد من توفير مشرفات؛ لكل باص مشرفتان، إحداهما في أول الباص والأخرى في آخره، للحد من تصرفات الطالبات غير المتزنات، ومعاقبة مثل تلك السلوكيات غير المرغوب فيها والبحث عن السبب والعلاج ودراسة حالتها بجدية وحزم وإخطار أولياء الأمور إذا استدعى الأمر أو تكرر أكثر من ذلك، وفي الحقيقة فإنني أجد أن آخر العلاج هو الفصل حتى لا يتفشى الداء في الأخريات» .