[COLOR=red]محمد التميمي " صحيفة عين حائل " حصري[/COLOR]
الشيخ المغفور له باذن الله حمود الحسين الشغدلي .. يعد احد اهم الشخصيات التأريخية في منطقة حائل .
لم يكن مجرد شاهد على حقبة مهمة من تاريخ بلادنا .. بل كان احد الرجال الفاعلين والمؤثرين في محيطهم الاجتماعي وفي المشهد السياسي العام .
لقد ترك هذا القاضي الذي شهد له جميع من عاصروه بالورع والحكمة .. وبعد النظر ورجاحة الرأي .. وعمق التجربة ..بصمة واضحة في تاريخ منطقة حائل حيث كان اسمه حاضرا في جميع مفاصل الحياة الاجتماعية والسياسية
[COLOR=blue]* * مولده ونشأته؟[/COLOR]
هو فضيلة الشيخ حمود بن حسين الشغدلي ولد في مدنية حائل عام 1295هـ وقد نما وترعرع في ظل والده حسين بن محسن الشغدلي حيث أخذ عنه حب العلم والاطلاع في أمور الدين لأن والده كان وهو في السابعة من عمره ملازماً لإمام المسجد الكائن بحي لبده بحائل والذي يدعى/ عوض بن محمد الحجي.
وما يؤكد ذلك ما عثرت لهما معناً على كتابات منحوتة على أحد الصخور في شعيب ((المشط)) بحائل منذ سنة 1302هـ كتب حسين بن محسن الشغدلي الآية القرآنية "وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَار" سورة القصص الآية(68).
وكتب بجانبه إمام المسجد أنذاك وبنفس التاريخ والذي يدعي عوض بن محمد الحجي عبارة ((من عاش مات)).
كان ذلك يوحي إلى وسع مداركهما وإطلاعهما في وقت كانت جزيرة العرب عبارة عن مجموعة شعوب وقبائل متناحرة يسود معظمها الجهل.
وتوفى الشيخ/ حمود بن حسين الشغدلي في مدينة حائل نتيجة لمرضه في اليوم الثامن من شهر ذي الحجة عام 1390هـ.
[COLOR=blue]** رحلة الشيخ في طلب العلم ؟[/COLOR]
وعندما نما الشيخ/ حمود بن حسين الشغدلي وترعرع واصل مسيرته في طلب العلم فأول المشائخ الذين درس على أيديهم الشيخ/ مبارك بن عواد فقد تعلم القرآن وتجويده.
وإستزاد في دراسة العلوم الشرعية من تفسير للقرآن الكريم والحديث والتوحيد والفقه والاطلاع والفهم لكثير من أمهات الكتب في هذا المجال على يد الشيخ الفاضل/ صالح بن سالم البنيان رحمه الله.وكذلك درس علم الفرائض على يد الشيخ الجليل عثمان بن عبدالكريم العبيداء.ولم يقف إلى هذا الحد في مواصلة مسيرته العلمية والاستزادة من أبناء بلدته حائل فحسب بل ذهب إلى الرياض لطلب العلم أيضاً عام 1326هـ وأخذ في دراسة علم النحو على يد الشيخ/ حمد بن فارس. ودراسة التوحيد والفقه على يد الشيخ/ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ. إلى أن أصبح من الملمين بأمور الدين الحنيف.
[COLOR=blue]** لم يكتف الشيخ حمود بذلك.. واهتم بتثقيف نفسه.. ؟[/COLOR]
كان رحمه الله ذو ثقافة عامة في جميع أمور عصره لكونه يحب الاطلاع على بعض الصحف والمجلات كصحيفة أم القرى ومجلة الحج. وكتب التاريخ والجغرافيا والطب واللغة العربية والشعر فقد وجدت بمكتبته الشهيرة على سبيل المثال لما ذكرنا عدة مجلدات عن تاريخ المملكة وتاريخ مصر القاهرة وجغرافيا آسيا وبعض الدواوين الشعرية كديوان أبي العتاهية وديوان حاتم الطائي و في علو النحو كألفية ابن مالك وكتب عن كيفية التداوي بالأعشاب بالإضافة إلى ما تشمله وبشكل كبير من الكتب الفقهية والتفسير والفتاوي . حيث كان يعكف عند فراغه من القضاء على الاستزادة منها وتزويد غيره ممن استناروا من علمه.
مما يوحي باهتمامه بالثقافات العامة ومتابعة أمور السياسة والحروب نتطرق هنا لأحد المواقف الظريفة والتي تنم عن مدى وسع اطلاعه حيث قال الشيخ حمود إخوانه الذين يجالسونه لتلقي العلم تناقلت الأخبار في الإذاعات نبأ مقتل محرر الهند الذي استطاع طرد الإنجليز من بلاده وقد رد أحد المشائخ وكأنه غير راضٍ عن المهماتا غاندي قائلاً (هررها).
وكان رحمه الله على جانب من الورع والتقوى منذ صغره إضافة إلى التواضع والحلم مؤكدين ذلك ممن عاشروه أو تقاضوا لديه.
[COLOR=blue]** مسيرة الشيخ مع القضاء؟[/COLOR]
لقد مارس القضاء منذ صغره لكنه وبعد دخول مدينة حائل على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود غفر الله له وتعيينه للشيخ عبدالله بن بليهد قاضياً رسمياً في مدينة حائل عام 1343هـ حسب طلب الأهالي هناك عين الشيخ/ حمود بن حسين الشغدلي كنائب عنه في القضاء. وقد أوكله الملك عبدالعزيز في القضاء نيابة عن الشيخ البليهد عندما كلف الأخير بالعمل بمكة المكرمة وذلك علم 1344هـ حسب خطاب التكليف المخطوط والذي بعثه الملك عبدالعزيز بهذا الصدد لفضيلة الشيخ/ حمود بن حسين الشغدلي.
وقد استمر كنائب في القضاء فترة بقاء الشيخ البليهد هناك بحائل التي دامت قرابة إحدى عشرة سنة تقريباً.
ومن ثم أصبح قاضياً رسمياً هناك بعد الشيخ البليهد حتى أحيل على التقاعد لكبر سنه وذلك عام 1378هـ.
[COLOR=blue]** أبرز الملامح بحياته الخاصة ؟[/COLOR]
كان الشيخ/ حمود بن حسين الشغدلي قد بلغ من العمر قبل وفاته 95 عاماً بنيته البدنية متوسطة وطول قامته أيضاً متوسطة له ذقن لا يتجاوز طوله قبضة يده يقوم بصبغه ((بالحناء)) يميل في ملبسه إلى الثياب البيضاء والغتر الحمراء يعمد إلى حف شاربه إقتداء بالسنة.
يعيش وأسرته في منزل من الطين ورثه عن والده بحي لبده بحائل وقد قام عام 1353هـ بإجراء توسعة عليه ببناء مجلس كبير للرجال ومدخل. كما أضاف إله من الجهة الغربية بئراً عاد إليه بالعطاء من جلالة الملك عبدالعزيز رحمه الله وقد تبرع بالماء الذي به لأهالي الحي وعندما نفذت كمية الماء التي به وحرصاً منه على استمرارية عطائه لنيل الأجر والثواب فقد قام بشراء بئر آخر مجاور له من جيرانه آل ثنيان واستمر بتغذية الحي بالماء إلى أن أحضرت مكائن الدفع للمنطقة وزعت بالأحياء ووزع الماء منها عبر أنابيب بدائية.
وقد أوقف ذلك المنزل بيد أبنائه من بعد وفاته حيث أوصى بذلك عام 1360هـ.
[COLOR=blue]** تزوج الشيخ عدة مرات .. ورزق بعدد من الأبناء والبنات .. فمن اين كان يؤمن مصدر رزقه ؟[/COLOR]
تزوج رحمه الله من خمس نساء وقد أنجبن له أولاداً ذكوراً وإناثاً، ولم يبق منهم على قيد الحياة الآن سوى أخر زوجاته وتسعة من الأولاد ذكور وإناث عاش معه في كنف منزله أبناؤه الصغار والكبار وأبنائهم وكان يحصل على قوته في بداية حياته عن طريق ممارسة بعض المهن كإصلاح الساعات القديمة والتي كانت توضع بالجيب الأمامي وإصلاح المسدسات والبنادق القديمة حيث كان لديه صندوق من الخشب بغطاء. بداخله جميع مستلزمات التصليح لتلك الساعات من قطع غيار وأدوات فك وتركيب.
[COLOR=blue]** كان الشيخ رحمه الله يتقن اصلاح السلاح .. وقد مارس هذه المهنة لفترة طويلة كمصدر دخل .. ؟[/COLOR]
.نعم كان لديه غرفة كاملة بها أنواع مختلفة من البنادق وقطع الغيار. ولم يكن رحمه الله يشترط مسبقاً أجرة للإصلاح بل يترك الأمر لصاحب السلعة التي قام بإصلاحها ويقنع بما يعطي له حتى ولو كان المبلغ قليلاً وبهذا الصدد أتطرق إلى مخطوط وصله من عثمان بن أحمد بن بشر عام 1341هـ شكره فيه على إصلاح الساعة وأنه بعث له ريال قيمة الآلة التي وضعها بها ويطلب منه السماح عن تعب يده ويداول معه الحديث في إصلاح مسدس وبندقية لآخرين.
إضافة إلى ذلك فقد كان يحصل على قوته أيضاً من مجموعة نخيل يقارب عددها خمسة عشر قرب البئرين ويعيش حولهما مجموعة من الأغنام والأبقار التي يعتني بتربيتها.
[COLOR=blue]** حصل على اجر من ممارسته للقضاء ؟[/COLOR]
عندما بدأت تنهال على البلاد الخيرات في عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله وتعيينه قاضياً بالمنطقة. كانت المرتبات في بداية الأمر عبارة عن تمر وشعير وشرهة سنوية حتى أوجدت العملات الورقية.
ورغم ما ذكرناه فإن كل تلك الخيرات لم تكن في كل حال تغطي نفقة أسرته وضيوفه لكنه لم يعتمد على أحد في طلب السلف لأي مبلغ من المال أو غيره !!
[COLOR=blue]** يتجاوز ازماته المالية ؟[/COLOR]
ذات مره عندما ضاقت به الضائقة أشار عليه إخوانه أن يذهب للملك عبدالعزيز بالرياض يطلبه ما يريد لكنه عندما وصل الرياض مع بعض إخوانه وقاموا بالسلام على جلالته وسأله مطلبه تراجع عن ذكر حاجته وقال له أنه حضر لمجرد السلام عليه لكن جلالته أدرك ذلك وقام بزيادة شرهته السنوية ومنحه ومن معه نصيبهم من العطاء كعادة جلالته غفر الله له.
[COLOR=blue]** للمرحوم بإذن الله الشيخ / حمود مشوار طويل في القضاء في حائل إمتد خلال حقبتين ؟[/COLOR]
ـ مارس العمل القضائي منذ صغره في عهد أبن رشيد عندما كان حاكم على حائل وبعد دخول المنطقة إلى سيادة الملك / عبدالعزيز بن سعود عينه الأخيرة كنائب في القضاء بحائل بتاريخ 28 صفر عام 1344هـ عندما عهد له القاضي الشيخ / عبدالله بن سليمان البليهد بذلك وبموجب خطاب تكليف رسمي موجه له حيث كان رحمه الله لا يرغب العمل في القضاء لما للقضاء من عبىء في الدنياء وفي الآخرة حيث أوضح له جلالته ذلك وطلب منه أن ينظر إلى دعاوي الناس . وكانت الأحكام الشرعية في عهده تأخذ طابع المشافهة بل لا أبالغ أن قلت أحياناً أن بعض الأخصام عندما لا يحضر يوكل خصمه بتبيان حجته وتلقي الحكم ومن ثم يبلغه له حيث كان الناس في تلك الأيام يد واحدة ويضعون مخافة الله فوق الجميع وبالتالي تؤخذ الأحكام من القضاة بكل رحابة صدر ويبقى مشافهة بين الجميع دون تحرير أوكتابة يلتزم بذلك الحكم الأطراف حتى بعد مماتهم إلا في البيوع والعقارات . وكان يحكم بين الناس بدون أجر ثم بدأ الملك / عبدالعزيز يبعث لموظفي الدولة خراجي من الرز والشعير والتمر إلى أن صدرت العملة الورقية فحددت لهم مرتبات شهرية .
كان يميل في قضائه بين الناس إلى مداعبتهم وإدخال روح التآلف بينهم والمحبة ولديه إلمام بأسر المنطقة وقبائلها مما يضفي عليه وعلى أحكامه طابع الهيبة والاعتبار وكان حكيماً لا تأخذه بالحق لومة لائم . ومن الأمور التي تجعله محل تقدير واحترام في قضائه ، أنه ذات مرة أحيلت إليه قضية عبارة عن أرض سكنية مشتراة من شخصين دون كتابة وكان فضيلته وقت الشراء أحد الشهود فطلب المدعي بينته وعندما لم يحضر بينه لم ينظر بدعواه وطلب منه التريث لعل خصمه يتراجع عن إنكار البيع فشكا المدعي الأمر على الأمير الذي بدوره أحاله إلى قاضي آخر وعندما طلب البينة استشهد بالشيخ / حمود الحسين فكتب له شهادته عندما خرجت القضية من يده وحكم للمدعي بالأرض فلم يكن في يوم من الأيام شاهد حال وقاضي في آن واحد ولم ينحاز مع خصم دون الآخر .
كان يتبع في تعامله منهج الوسطية وعدم الغلو في أمور الدين ومن ظريف ماروي عنه في هذا المجال أنه ذات مرة قدم إليه شخص يستفتيه في الساعة التي يلبسها والتي تسمى وارد ( الصليب ) لوجود رسم للصليب بداخلها فرد عليه فضيلته الماء الذي تشربه في بيتك ألست تأخذه من البير بواسطة الدلو والذي يعلوه خشبتين أتتا على شكل صليب فرد بنعم فقال طالما تشرب الماء من الدلو فأستعمل الساعة لمعرفة الوقت وأترك ما عليها من شعار .
وقد كان الملك / عبدالعزيز غفر الله له وأبنائه من بعده يستشيرون فضيلته في كثير من الأمور المصيرية التي تهم البلاد لما يلمسونه من فضيلته من سعة إطلاع في الأمور الشرعية وغير الشرعية ووسطيته في معالجة الأمور فمما نقل لي أن جلالة الملك / عبدالعزيز آل سعود غفر الله له استشاره في مسألة إتاحة الفرصة للأمريكيين للتنقيب عن البترول في البلاد لكونه ثروة تقوي اقتصاد البلد فرد عليه فضيلته بعبارة على ذمـة رواتها ( الحمار نركبه ولا نأكل لحمته ) بمعنى إجازته لهذا الأمر مع التحفظ على أمور أخرى تتعلق على ما يبدو بمعتقداتهم وعاداتهم بحيث تكون بعيدة عن التأثير على مجتمعاتنا الأمر الذي حدا بجلالته أن يجعلهم يحترمون عادات البلد الإسلامية ويلتزمون بنظمه وتعاليمه التي تقضي بعدم السفور والمجاهرة بالفاحشة مراعاة للقيم والتقاليد الإسلامية في هذا البلد .