عبد المجيد الذياب (صحيفة عين حائل الاخبارية )حصري
قامت (صحيفة عين حائل الإخبارية )بزياره لتلك البسطات المتناثرة في سوق برزان بحائل ، فوجدت عند كل زاوية منها قصص امتزجت بالدموع ومآسي من الألم وتاريخ طويل من المعاناة ، نساء احتضنت التراب وتظللت الشمس ورائحة الفقر والحاجه تطل خلف عيون فيها من البؤس مايكفي …أسرار وأسرار وحكايات تحكيها تلك البسطات ودهاليز مغلقه تحمل معها تساؤلات كثيره ، خلف كل بسطه امرأة تقف شامخه أمام أمواج الظروف العاتيه وقسوة الحياه ، تكافح الفقر ، وتحارب ظروفها الصعبه ، وتعيل عائلتها لأسباب فرضتها الحاجه القويه ، تجولنا بين تلك البسطات ، وهالنا ما رأينا ، وآلمنا ما سمعنا ، وضايقنا ذلك الشعور الذي صاحبنا أثناء جولتنا ..كم تمنينا وقتها أن يكون الأمل شخصا نذهب إليه ونحمله لهن ، أو قاضيا نقف أمامه فنقتص لحقوقهن المسلوبه ، أو أنه هديه يهدى لتلك الأرواح الهائمه بين مطرقة الحاجه وقسوة القلوب .
كم تمنينا أن نمسك بتلك الحاجه وغول الفقر الكاسر لتلك للأرواح والنفوس والتي فرضتها الظروف ونقتلها لنبعد الحزن أمام تلك الأعين التي سكنتها تجاعيد الزمن وشكلتها الاحزان وعبرت عن أوجاعها دموع حائره تقذفها كبرياء الموقف واعتزاز الذات لترجع إلى تلك المحاجر الجائعة الى الراحه ورغد العيش في أبسط درجاته ، وقفنا أمام تلك البسطات ولم نجد مجرد أخشاب وعشش مهترئه تتقاذفها الريح وتخترقها الشمس وتضيئها بأشعتها الحاره واللاهبه ، أو مجموعة من الأواني المعبأه ببعض الأكلات الشعبيه أو بعض العطارة البسيطه بل وجدنا تاريخ له عبق الأصاله لأغلب تلك النساء ، وقصص من الكفاح الطويل ، ومرارة سنين غلفت أيامهن وظروف القدر القاسيه تخنق أنفاسهن ورضا بما قسمه الله لهن يملأ نفوسهن ، سألت أغلبهن ماذا ينقصك هنا في سوق برزان ؟
فتأوهت أغلبهن تنقصنا الكرامه من جيف الطريق وقذارة الشوارع ، تنقصنا جدران تتكأ ظهورنا عليها لنرتاح قليلا من عناء الوقوف طوال اليوم ، تنقصنا أكشاك صغيره بحجم هذه البسطات لها سقف يظللنا وأبواب تحمينا ، لانريد محلات مكيفه ولا إضاءات منمقه ولا ديكورات راقيه .. لانريد سوى المكوث في برزان نفسه لأنه مصدر رزقنا لازدحام المتسوقين .
بضاعتنا لاتحتاج لأسواق شعبيه خاصه لانها بالفعل موجوده ولكن للاسف الشديد لا إقبال أبدا عليها .. بضاعتنا هي استهلاك يومي يحتاجه المتسوق أثناء تسوقه من عصائر ومياه بارده وبعض الأكلات الخفيفه ، وجميعها تباع وقت راحته أثناء تسوقه ولا يتعنى لأجلها في السوق الشعبي بل يجدها أمامه أثناء تسوقه … لقد كان كلامهن واقعي فرضه الواقع المر ومطاردة الرزق ،، وقفنا امام إحداهن وهي ( أم بندر) .. امرأة خطت الأيام عليها توقيعها ، وحرارة الجو تضايقها ولكنها مضطره لأن تقف أمام حافظات الأكل التي جلبتها معها .. قالت لي بصوت يحمل الإنكسار معه .. إنها الحاجة القويه جعلتني اقف هنا رغم كبر سني وإعالتي لابنائي لأن زوجي له ظروف حالت دون أن يتكفل بمعيشتنا كامله .. تعبت كثيرا من نقل بضاعتي من مكان لأخر لأننا مطاردات من بعض العمالة المنتشره في السوق وهاهو مكاني الآن كما ترون بين الحفر والمستنقعات الكريهه وعلى ناصية الطريق وسط الاصوات المزعجه والضوضاء التي لا استطيع تحملها كثيرا نظرا لعمري الكبير ومرضي ، فاضطرت أن تؤجر أحد العماله لنقل بضاعتها وترتيبها ثم وضعها في نهاية اليوم داخل صناديق ،، فيصبح أغلب أرباحها أجرة لهذا العامل ، تركتها وهي ترتب بضاعتها وتطلب أن يفتح الله عليها ويرزقها من واسع رحمته ورزقه .. فنظرت إلى تلك البسطه المجاوره ،، وقدجلست فيها سيدة تملك من المرارة ما تشكل به نبرات صوتها ، وقفنا أمام السيدة الكبيرة بالعمر (أم عبدالله ) وقد أدارت ظهرها للشارع فعفت النفس فرضت ذاتها عليها وكبرياءها أجبرها أن تدير ظهرها لتلك الأعين المتطفله ، إنها أم وزوجها كبير متقاعد وبيتها أيجاره مرتفع والحياة صعبه وظرف الموقف قادها نحو هذا المكان الموحش ومياه الصرف الصحي تحيط بها متسربه وكأنها تتعمد إغاضتها ومضايقتها مع ظروف القسوه والحياة الصعبه فأدارت ظهرها لكل ألم يحاول أن ينال من عزيمتها .
حاولت الإقتراب اكثر والبحث داخل الدهاليز المغلقة أكثر وحاولت أن افكك بعض تلك الإشارات والرموز.. لما الشوارع هي مكانهن ؟ لما هذا هو حالهن؟ ماذا حدث وكيف حدث ولما تلك هي النهايه وهي افتراش الطرقات واحتضان البسطات وتحمل متاعب السوق وصعوباته؟ مالذي يدفعهن للتحمل ؟؟
فوجدت ضالتي عند تلك السيدة الرائعه والتي تحادثك وهي تبصق على غدر الزمان وتقلب الأحوال وهي السيده ( س، م ) سيدة تملك من البلاغه مايجعلك تصمت طويلا .. ومن معرفة ماذا يوجد خلف الابواب المغلقه ما دعاها للتفكير بالإنتحار أكثر من مره في لحظات ضعف تملكتها أمام ضغوطات الحياة ،،، عصفت بها الظروف واقتلعت ألامان والطمأنينة منها واستأصل الفقر والوقوف وحيده أمام أفواه جائعه وأطفال لاينظرون بعد الله سبحانه وتعالى إلا لها لتحميهم وتحتضنهم .. وهذا مايدعوها للتراجع كثيرا عن الإنتحار خوفا من غضب الله تعالى وخوفا على بناتها واطفالها فمن لهم بعدها إلا رحمة الله تعالى … قالت بعينين اخفت خلفهما غضب وألم وقهر اجتمع في تلك اللحظه ، قالت لي انا مطلقه وأعيل أبنائي وكافلة لأيتام .. دعتني الحاجه أن اقف أمام الجوع لأطرد شبحه عن ابنائي .. لدي دبلوم حاسب آلي ومعي شهاده صحيه لممارسة العمل ،، أفنيت عمري على ناصية هذا الطريق .. كل زاويه تعرفني وكل بلاطه تشهد بأني وقفت عليها طويلا اطلب الرزق الحلال … نحن لانبيع السموم ولا نبيع الممنوع بل نبيع الأكل مغلفا بالحب والأمل ،، نحن محاربات في رزقنا واصبحت البسطات يباع رصيفها المجاني الذي يقف عليه البشر والحيوان والجماد ،،،بمبالغ كبيره استغلالا لحاجتنا أويغلق هذا المكان ونطرد الى مكان أخر … العماله الأجنبيه أصبحت تتحكم بقوت يومنا ويحاربوننا علنا وينتزعون الأمل منا ،، وهذا ما يقتلني الف مره فلا حياة لمن تنادي ..ابنائنا الان يقاتلون الحوثيون وسط النيران ويدافعون عن حدود غاليتنا المملكه ، والحوثي هنا من كل جنسية أجنبيه يطاردني في رزقي ويغلق مصادر وأبواب الخير عنا .. انقذونا وهبوا لنجدتنا فنحن جميعا أمهات لكم وبناتنا اخوات لكم .. وعورات لكم ساعدونا بكشك فقط يغلق علينا حتى وإن أردتم إيجارا عليه .. نعترف بأن السوق الشعبي موجود ولكن لا رزق فيه لأن المتسوق لايذهب للبحث عن بعض المأكولات أو لشراء بعض العطاره بل السوق هنا فيه كل مايرغب فلن يتكلف بعناء الذهاب للسوق الشعبي .. نحن بيعنا فترة الراحه للمتسوق .. وهنا يأتي رزقنا والذي يعتاش منه ابنائنا … يا للعار كيف ترمى النساء على قارعة الطريق والعامل الأجنبي يتمتع بمحلات فخمه يبيع فيها ويطردنا من أمام محله .. أغلبنا يعالج نفسيا الآن بل بعضنا حاول الإنتحار أمام هذه الضغوطات وللأسف انا أحد هذه الحالات فليسامحني الله … نحن واجهه حضاريه وجماليه لحائل ومورد سياحي لها لو تم استغلالنا واستغلال موهبة الطبخ والتحويجات الشعبيه التي نملكها …
يا الله كم هي بسيطه أحلام البسطاء ،، ونقف عاجزين عن تحقيقها رغم بساطتها … (لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ) ، هي دافعنا للأمل وأن الغد أجمل ،، وأن الرحمه والإنسانيه لازالت هي من تقودنا ولسنا نحن من نقودها .. وصرخات الإستغاثه من جور وضيم الأيام يسمعها سلمان العطاء ويجيبها بصيحات الفارس المنقذ لأحلام البسطاء ، جميعهن يطلبن وحددن مطالبهن وكم هي في غاية البساطه وسهلة التحقيق ويقابلها فرج كبير لكثير منهن .. ودعاء من قلب طاهر بالخير لكل من يمد يده لهن بالمساعده ،، فالمرأة الحائليه لم تخلق أبدا للإهانه ،، فهي تربعت على عرش النبل والأخلاق ويد العطاء منها لاتنقطع رغم حاجتها ،، هي أميرة بنسبها لحائل بلد حاتم الطائي ،، وسيدة ذكيه وتملك من المهارات ما ميزها عن غيرها … فهل نرضى أن تعامل هكذا أمام بطش الحاجه ؟؟ لا أعتقد أبدا فنخوة الرجال لم تموت وخير من يمثلها المسئولون في حائل .. هذه نسائكم .. وهذه مطالبهن وحاجاتهن ، فلا يرغبن بمد يد التسول والنوم على الأرصفه ، بل يمددن أيديهن للبناء والعطاء ،، فلا تبخلوا بانتشالهن من واقع أوجعنا كثيرا ….
69 pings
Skip to comment form ↓