( صحيفة عين حائل الإخبارية )
تأتي زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الجامع الأزهر الشريف وتأدية الصلاة فيه تأكيدا من المملكة العربية السعودية على مكانة الجامع كمنارة إسلامية، نشرت نور العلم في ربوع العالم الإسلامي منذ بدايات القرن الماضي.
الأقدم عالميًا
بني الجامع الأزهر بين عامي 970 – 975م، بهدف نشر المذهب الشيعي في مصر، قبل أن يصبح أهم المساجد وأشهرها لنشر المذهب السني في مصر والعالم الإسلامي، وهو جامع وجامعة منذ أكثر من ألف سنة، ويعتبر ثاني أقدم جامعة قائمة بشكل مستمر في العالم بعد جامعة القرويين، وقد اعتبرت جامعة الأزهر الأولى من نوعها في العالم الإسلامي لدراسة المذهب السني والشريعة الإسلامية المعتدلة.
العقيدة السمحة
وتعكس زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز للجامع الأزهر، اهتمام السعوديين، قيادةً شعباً ، وبدوره في نشر العقيدة الإسلامية السمحة، لطلاب العالم الإسلامي، ومن بينهم السعوديون، عبر نخبة من أفضل علماء الشريعة والفقه والدراسات الإسلامية والحديث والتفسير والقرآن الكريم والتلاوة والأدب المقارن.
اعتدال فكري
ونال عدد كبير من السعوديين، وبخاصة كبار السن، تعليمهم في الجامع الأزهر، ويحتفظ هؤلاء بذكريات الدراسة والشباب هناك، عندما كانوا يتلقون فيه العلوم الشرعية على أيدي مشايخ معروفين بالعلم الغزير، والاعتدال الفكري، بعيداً عن التشدد والغلو والتطرف.
ويؤمن المواطنون الذي ذهبوا إلى مصر في بدايات القرن الماضي، للالتحاق بالأزهر الشريف، أنهم كانوا محظوظون كثيراً بنوعية العلم الذي سيتلقونه هناك، وبالشهادة التي سيحصلون عليها، ليس لسبب سوى أن خريج الأزهر محل تقدير واحترام وإجلال من الجميع، وأنه مؤهل لأن يكون أحد علماء العلوم الشرعية، عندما يعود إلى المملكة.
ترميم سعودي
ويحظى الجامع الأزهر الشريف بمساندة المملكة العربية السعودية ودعم قادتها على مر الأزمان، إدراكاً من قيادات المملكة بدور الجامع في نشر الإسلام الصحيح، ولعل آخر دعم حصل عليه من المملكة، تمثل في قرار أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ في سبتمبر 2014، بترميم الجامع، بعد أن كانت قد تكفلت تركيا بإعادة ترميمه وفرشه فى عام 2012، إلا أن اندلاع ثورة 30 يونيو أوقف العمل فى الجامع، ليصدر الملك عبدالله أمرا بترميمه، وفي هذه الأثناء، كشفت مشيخة الأزهر، عن تعاون مصري ـ سعودي لترميم الجامع الأزهر، وأجرت شركة عملاقة فى مجال المقاولات والإنشاءات دراسة من قبل المجموعة لما يحتاجه الجامع من عمليات ترميم.
الأثر الفاطمي
شهد الجامع الأزهر، عدة مراحل من تطوير وترميم على مدى تاريخه، الذى يتخطى ألف عام، وفى البداية أنشئ الأزهر فى (359-361 هجرية) (970~975م)، ويعتبر من أهم المساجد فى مصر وأشهرها فى العالم الإسلامى، وهو جامع وجامعة منذ أكثر من ألف عام، بالرغم من أنه أنشئ لغرض نشر المذهب الشيعى، عندما فتحت مصر على يد جوهر الصقلى قائد المعز لدين الله أول الخلفاء الفاطميين بمصر، إلا أنه حاليا يدرس الإسلام حسب المذهب السنى، وبعدما أسس مدينة القاهرة، شرع فى إنشاء الجامع الأزهر وأتمه فى شهر رمضان سنة 361 هجرية 972م، فهو بذلك أول جامع أنشئ فى القاهرة، وأقدم أثر “فاطمي” بمصر.
أصل التسمية
واختلف المؤرخون فى أصل تسمية الجامع، والراجح أن الفاطميين سموه بـ”الأزهر” تيمنا بفاطمة الزهراء بنت الرسول صلى الله عليه وسلم ،وإشادة بذكراها، واستغرق بناء الجامع عامين، وأقيمت أول صلاة جمعة فى 7 رمضان 361 هـ – 972م. وفى سنة 378 هـ – 988م جعله الخليفة العزيز بالله جامعة يدرس فيها العلوم الباطنية الإسماعيلية للدارسين من إفريقيا وآسيا بالمجان، وأوقف الفاطميون عليه الأحباش للإنفاق منها على فرشه وإنارته وتنظيفه وإمداده بالماء، ورواتب الخطباء والمشرفين والأئمة والمدرسين والطلاب.
زلزال أكتوبر
وشهد الأزهر أعمال ترميم فى العصر الحديث فى عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وتقريبا فى عام 1995 حيث بدأ مشروع ترميمه بتكلفة إجمالية قدرها 27 مليون جنيه. وكانت أعمدة المسجد وجدرانه تداعت فى أعقاب زلزال أكتوبر 1992، وأعدت خطة لترميمه، إلا أنها تعطلت لأسباب عدة، إلى أن تولى الشيخ محمد سيد طنطاوي مشيخة الأزهر، فأسند المشروع إلى جهاز تجديد أحياء القاهرة الفاطمية، وشمل تدعيم أساسات المسجد باستخدام الخوازيق الأبرية التي زرعت تحت الأرض عند كل عمود.
دور بطولي
وللجامع الأزهر تاريخي بطولي في النضال ضد الاستعمار والظلم، فعندما أتى العدوان الفرنسي إلى مصر كان الأزهر قلعة المقاومة، وعلماؤه صوت التصدي للمستعمرين والمستكبرين؛ وقام الفرنسيون برمي الأزهر بالمنجنيق، لكونه رمز المقاومة والتنوير ومحاربة الفساد. وعندما جاء الاحتلال الإنجليزي، قام أيضا بتقسيم وتفتيت قوى الأزهر، بجعل الأوقاف منفصلة عن الأزهر وتابعة لوزارة المعارف الخاصة بالتربية والتعليم والأوقاف العمومية آن ذاك في عام 1912، وجعل منصب المفتي منفصلا عن شيخ الأزهر لكونه منصبا يستغل سياسيا لصالح الحاكم أو المستعمرين.
المئذنة ذات الرأسين
وأقام الأمير جوهر القنقبائي خازندار السلطان المملوكى الأشرف “برسباي” المدرسة الجوهرية فى الطرف الشرقي من الجامع، وتضم أربعة إيوانات، أكبرها الإيوان الشرقى وبه محراب دقيق الصنع، وتعلو المدرسة قبة منقوشة. إلا أن أهم عمارة كانت بالجامع هى التى قام بها السلطان قايتباى خلال سنوات حكمه، وبدأت بهدم الباب بالجهة الشمالية الغربية للجامع، وأقام على يمينه سنة 873 هـ/1468م مئذنة رشيقة من أجمل مآذن القاهرة، ثم بنى السلطان المملوكى قانصوه الغورى المئذنة ذات الرأسين، وهى أعلى مآذن الأزهر، وتعتبر طرازا فريدا من المآذن بالعمارة المملوكية.
باب المزينين
أما فى العصر العثماني، فنجد أن ولاة مصر فى ذلك الوقت قاموا بعدة أعمال، وأوقفوا عدة أوقاف وأقاموا عدة أروقة وزوايا منها الرواق الحنفية وزاوية العميان ورواق الأتراك ورواق السليمانية ورواق الشوام.
إلا أن أكبر عمارة حدثت للجامع كانت فى عصر “عبد الرحمن كتخدا” سنة 1167هـ/ 1753م حيث زادت مساحة الجامع مساحة كبيرة كما أنشأ به قبة وعمل به عدة أعمال كان منها عمل باب المزينين وهو الباب الرئيسي للجامع الحالي.
مكتبة الأزهر
وفى عصر محمد على باشا وأسرته، أنشئت تجديدات وإصلاحات بالجامع، أكبرها فى عهد الخديوى عباس حلمى الثانى، حيث أمر بإنشاء مكتبة للأزهر الشريف، أودعت بها نفائس الكتب والمخطوطات العربية والإسلامية، كما جددت المدرسة الطيبرسية فى شوال 1315 هـ/1897م. وأنشأ رواقًا جديدًا يسمى بالرواق العباسي نسبة إليه، وهو أكبر الأروقة.