صحيفة عين الحقيقة
عبد المجيد الذياب (صحيفة عين حائل الاخبارية )
مع هدوء الليل في محافظة الشملي وسدول أستاره ، تبدأ ساحات الموت بالإنتشار ، وأصوات جنون وصراخ الأسفلت والحديد المتعاركان تكادان تفجران الأسماع ، والتفحيط يكاد يخترق الأرض ليلهبها ويحرقها غضباً ورعونة وطيشاً ، وملاحقات رجال الأمن متواصله ولكن دون جدوى . إن التفحيط هو الظاهرة التي لاتتراجع ولاتنتهي بل بدأت بالإتساع والإنتشار وبصورة أكثر خطورة من السابق رغم تنبيهات الحكومة الرشيدة ورغم قسوة العقوبات المرصودة في محاولة لحماية الأرواح والممتلكات .
إن كثرة ضحايا التفحيط والقيادة اللامسئولة من الشباب بدأت في التزايد وهذا ما قادنا للغوص في أعماق المجهول والبحث عن الأسباب التي أدت إلى إنتشار ( ثقافة الموت ) وكأنه يقوم بعمل بطولي بقيادة تحلق به إلى السماء بعيداً عن الأرض تواصلنا مع أطراف كثيرة ومتعددة واستمعنا لهم ورثينا لحالهم ووجدنا أن جميعهم ضحايا أنهكتهم المصائب والفواجع والأحزان ، سواء هذا الشاب المتهور والذي غاب تفكيره فوضع حياته وروحه رهن الطريق وعلى كف المجهول ، أو هذا الأب المكلوم بفاجعة فقد إبنه وفلذة كبده بسبب التفحيط ، فلايخفى على الجميع أن هذه الفترة الحرجة وهي فترة الإختبارات والعطلة الصيفية هي فترة غياب الوعي الرقابي للأهل بحجة خروج الإبن وغيابه لإضطراره كما يزعم للمذاكرة مع أصدقائه ، أو الخروج بنفسه للإختبار حتى لا يتأخرعن موعده ، ومع العطلة وانشغال الجميع وغياب الرقابة تزداد الحجج والأعذار للخروج لساعات دون متابعة من الأهل .
تواصلنا مع مجموعة من مفحطي الشملي والذين تتداول بينهم الألقاب القوية للتعريف بالمفحط مثل ( مفحط الشملي – ملك التفحيط -الشبح – المزاجي ) وعلمنا أنهم يتجمعون بناء على شفرة يتداولونها للتعريف بمكان التجمعات ، ورغم أن المجال مفتوح طوال النهار للتفحيط لعدم وجود رقابة من الأهل إلا أن الليل يستهويهم لسهولة الهروب والإختفاء من رجال المرور والأمن والذين كما قال بعضهم يخنقونهم برقابتهم وملاحقتهم الدائمة لهم .
إلتقينا مجموعة من الشباب المفحط وسألناهم لماذا يقومون بهذه الهواية الخطرة عليهم وعلى غيرهم ؟ فقال أحدهم بصوت عالي والذي رمز لنفسه برمز ( ف- ن ) ” أن التفحيط هواية ، ووسيلة لتفريغ الكبت عنده ولايجد سوى القياده بهذه الصورة المجنونه لإشباع هوايته الخطيرة ، ولكن يضايقه ملاحقة المرور لهم ”
وتابع زميله بغضب ( أ – ر ) ” لماذا يحرموننا هذه الهواية ونحن هنا لانجد غيرها في المحافظة فليس هناك أي مكان نشبع فيه هواياتنا أو نستغل فيه أوقات فراغنا سوى الشوارع “
أما صديقهم الشاب الملثم ( ت – م ) فقال لنا وكأنه يتمنى هذه الأمنيه ” ليتهم يتركوننا براحتنا ولا يزعجوننا بالمطارده الدائمة لاننا نحب هذه الهواية ، ونحاول أن نكون بعيدا عن الأحياء والناس “
••كان لابد لنا أن نرى ونسمع الطرف الأخر للمأساة وهو الأب الذي فقد إبنه بسبب التفحيط وما أكثرهم الأن ولازالوا يبكون فلذات أكبادهم وحرقة إفتقادهم ووحشة غيابهم ، وتوجهنا إلى أحد هؤلاء فقال لنا السيد ( ف- س ) بصوت يمتزج باللوعة والحسرة ” لقد أفقدني التفحيط إبني المراهق بعد خروجه من مدرسته ، بسبب تجمعات طلابية وتشجيع غير مسئول ، لم يكن يعرف قيادة السيارة وبلحظه اختفى كل شئ ، روحه وجسده وصوته ورائحته ونفتقده جميعا ونشعر بوحشة لغيابه وأتمنى أن يجمعني الله به في الجنة ”
تركناه وهو يغالب دموعه التي أبت إلا أن تنهمر من عينيه ، فلقد بلغ به الوجد والحنين لفقيد قلبه الكثير .
لقد تخيلنا للحظة أن هذه الشوارع كانت سبباً في إغتيال الطفولة وقتل المراهقه وضياع الشباب .
وقفنا طويلا أمام هذه الفئات المنتقاة ، فلم نجد المجرم بينهم فجميعهم ضحايا ، وجميعهم يحتاجون للرعاية والإهتمام فالشباب طاقات بناءه وفيهم الخير الكثير ولكنهم يحتاجون لرعاية قانونية لحمايتهم من هذا الخطر القاتل وهذا الغول المتوحش ، فما أروع الإستماع لهم ومعرفة رغباتهم وتحقيق متطلباتهم ، ووضعهم في دائرة الضوء وفي إطار المشروعية للقضاء على هذه الرغبة المدمرة داخلهم في قتل أنفسهم وغيرهم بدون شعور أو تخطيط لذلك .
•••إضاءة •••
فلنجعل من ساحاتنا ومياديننا حقول من الحب والإنتماء لأجل البناء ، لا ساحات للدم والدمار والقتل اللامسئول ، فالحياة غالية وأرواحنا أمانة سنسأل عنها . فلا بد من التوجيه والمتابعة المسئولة والواعية لهذه الفئة الغالية علينا جميعا. لذلك فلنجعل من تجمعات الشباب فرحا ننتظره ، لا خوفا نترقبه وذلك بأن نحميهم ونؤمنهم بالشرعية والقانونية بوضع ساحات وميادين خاصة بهم يكون الدخول إليها عن طريق كشف المستور ومعرفة الشخص بإبراز هويته وتأمين سيارته بوسائل الأمن والسلامة وتحديد ميدان ومسافة التفحيط ووجود دوريات ومسئولين بنفس المكان ليفرغ الشاب جميع نشاطه المكبوت حسب وجهة نظره وتفكيره وفي إطار الشرعية والقانون ، بدلاً من إنقضاض شبحه الخطر بين الأزقة والحواري مما يسبب خطراً يداهم الأرواح كل لحظة وإزعاجاً لايهدأ حتى لحظات الصباح في أفضل الحالات إن لم يكن طوال اليوم .
صورة تعبيرية
24 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓