[COLOR=red]محمد الحربي " صحيفة عين حائل الاخبارية "[/COLOR]
دخلت مجموعات من الفتيات السعوديات في ممارسة هواية التفحيط، بعد أن كانت حكراً على الشباب طوال العقدين الماضيين، بسبب مافيها من مخاطر لا تناسب الفتيات من ناحية، ولأنّ المرأة السعوديّة خارج مجال قيادة السيارة بكامله، فضلا عن هذه الهواية الخطرة التي تقوم على استعراض مهارة الدوران بالسيارة، وعكس مسارها بالكامل في لحظات مفاجئة، وهي على درجة عالية من السرعة. وقد شهدت الهواية الخطرة تطوراً متصاعداً، بدخول منظمين إداريين، وآخرين في صفات مساندة، تعددت أسماؤها، مثل «موجهون، ومعززون، ومخرجون» من أصحاب موهبة التصوير والتوثيق، للاحتفاء باللقطات المثيرة. ففي حين يعمل (الموجه) على إصدار الأوامر للمفحطين، وتوجيههم إلى الشوارع والطرقات التي تبعد عن الجهات الأمنية، يقوم (المعززون) بمهمة مساندة المفحط ومساعدته على أداء عروضه، بالتدخل اللازم عند حدوث أي حادث مروري، أو عند انفجار أحد إطارات السيارة، أو غير ذلك من لحظات «الطوارئ». غير أنّ الأكثر غرابةً في الأمر، ويلفت الانتباه، هو دخول الفتيات إلى هذه الهواية، التي لم تعد حكراً على الشباب.
أخطاء المبتدئين
وفي حديث مع مفحط مشهور بـ(الغضب) قال: «عادة ما يكون رقم هاتفي الجوال منتشرا بين المفحطين، لأواكب تعزيزهم وتشجيعهم، ولمتابعة حركة الجماهير، ومؤخراً أصبحت أتلقى اتصالات من فتيات يرغبن في ممارسة هذه الهواية، وبعضهنّ بدأن في ممارسة الهواية، من خلال الركوب مع أشقائهنّ المفحطين، أو من خلال البقاء داخل سياراتهم أثناء مواكب التعزيز، أو حتى البقاء مع المتجمهرين.
وأشار الغضب إلى أنّ اختيار الشوارع والطرق يكون للبعيدة عن الجهات الأمنية ومناطق السكان، مؤكداً على أنّ التفحيط داخل الأحياء السكنية والشوارع الضيقة عادة ما يكون من قبل شباب غير محترفين، ومبتدئين ولا يملكون القدرة على القيادة الجيدة، وهذا يؤثر على الصورة الاجتماعية للمفحطين نتيجة اصطدامات وحوادث من هؤلاء المبتدئين. وفيما يتعلق بمهام الموجه في مجال التفحيط أفاد (الغضب) «إن الموجه يعمل لأكثر من مفحط»
تعزيز داخلي وخارجي
وتحدث مفحط آخر لـ»الشرق» اشتهر بـ(الشهاب) عن تجربته قائلاً «بالنسبة لمواكب التعزيز، غالباً ما تكون مكونة من أصدقاء المفحط نفسه، والقريبين منه، حيث إنّ قيادته لا تنتظم إلا من خلال المعزز الموجود بجواره في سيارته، إضافة إلى ثلاثة أفراد آخرين يركبون في المقاعد الخلفية، وهو ما يسمى بـ»التعزيز الداخلي»، مبيناً أنّ مهامهم تتضمن إرشاد المفحط إلى الشوارع والطرق في حال حدوث أية إشكالية مع الجهات الأمنية بهدف الإفلات منها. وذكر (الشهاب) أنّ التعزيز الخارجي يتمثل في اصطفاف عدد من السيارات تكوّن موكباً للمفحط وتكون خلفه، وهؤلاء يتدخلون في حال وقوع حادث، أو تلف في إطارات السيارة، أو حتى مشاجرة. موضحاً أنهم يقومون بنقل أية حالة أو إصابة تتعلق بالمفحط أو معززيه الداخليين إلى المستشفى، إذا ما تعرضوا لانقلاب أو تصادم». وأضاف» تفاجأت في بداية الأمر بوجود فتيات في موقع التفحيط، فليس بإمكان أي شخص الدخول في مجال التفحيط إلا من يملك قلباً قوياً، والأهم وجود متعة في ممارسة هذه الهواية، لكن من الضروري أن تكون هؤلاء الفتيات على قدر كبير من الوعي والحذر».
حالات دهس!
وعن حالات الوفاة التي تشهدها معظم تجمعات التفحيط، أو (الطارة) كما يحلو لكثيرين تسميتها، قال الشهاب، إنها غالباً ما تكون من المتجمهرين، الذين يتجاوزون المنطقة ليخرجوا إلى الشارع، ومن ثم يتعرضون للدهس من قبل المفحطين، كونهم لا يستطيعون السيطرة على سياراتهم حينها، وذلك بحسب ما أكده أحد المعززين الذي فضّل حجب اسمه.
ساحات نظامية!
من جانبه قال المفحط المشهور بـ(الطير) «من الصعب أن نقوم بتقييد حركة المتجمهرين وحصرهم في مكان واحد، فما يقارب 60 % منهم ينزلون فجأة إلى ساحة التفحيط، وهو ما يجعلنا نطالب بتخصيص ساحات تتوفر فيها وسائل السلامة، ليتسنى لنا ممارسة هوايتنا دون أية مخاطر». وهنا علق (الشهاب) قائلا «ابتعدت في الآونة الأخيرة عن التفحيط بعد أن فقدت أشخاصاً كثيرين من معارفي نتيجة حوادث شنيعة، فمنهم من فارق الحياة أمام عينيّ، وآخرون سمعت بوفاتهم بعد نقلهم إلى المستشفى».
ألقاب المفحطين
وحول كيفية اختيار أسمائهم المستعارة، اكتفى (الغضب) بالقول «غالباً ما تكون من الفتيات اللائي يطلقنها علينا، لتصبح بمثابة أسماء دائمة لنا نحقق من خلالها شهرتنا»، مؤكداً على وجود فتيات متابعات لمسيرته من خارج المدينة التي يقطنها، حيث يقمن بمشاهدة عروضه عن طريق (اليوتيوب).
طريقة الإعلانات
وعن طريقة إعلام الجماهير عن مكان ووقت العروض قال (الطير) «أغلب العروض تقوم الفتيات بالإعلان عنها، وهناك موقع (الطارة) ضمن المنتديات الإلكترونية، كذلك يتم الإعلان من خلال الموجهين، إلى جانب تقنية الـ(الواتس آب) ليتم إخبار الجماهير بمواعيد التفحيط»، وأضاف «إننا حينما نقدم عروضنا، فإننا نسعى لإسعاد جماهيرنا وليس لإيذائهم، إلا أنّ حوادث الدهس تحدث بشكل مفاجئ ومؤسف».
وأضاف «هناك مطالبات عديدة بتخصيص ساحات لممارسة هواية التفحيط، جاءت على ألسنة كثير من المهتمين بهذا المجال». وتساءل (الطير) عن عدم قيام الجهات المعنية بذلك على الرغم مما تم تقديمه أثناء مهرجان (أكشنها) حينما خصصت مساحات للمشاركين، مزودة بوسائل السلامة وسيارات الإسعاف، ثمّ تمّ تجاهل هذا الأمر.
ساحات للفتيات
وتروي (ن.م) قصتها بعد دخولها عالم التفحيط فتقول: «بعد مشاهدتي لمقاطع فيديو عن التفحيط، بدأ الأمر يعجبني، وانجذبت له أكثر بعد معرفتي أكثر عن هذه الهواية، كما شاهدت أشخاصا يقومون بعروض ممتازة، حينها دفعني الفضول لخوض هذه التجربة، وحقاً هي هواية رائعة، لكن ما يعكر أجواء هذه العروض، هو غياب الأمن والسلامة، ولو تمت تهيئة مكان مخصص لهذه العروض، ومجهز بجميع معدات الأمن والسلامة، وتخصيص أمكان للفتيات، منفصلة عن أماكن الشباب، فذلك يفتح المجال أمامهنّ لممارسة هذه الهواية».
ندمت على التفحيط
أما (ع.أ) فسخرت من الحال التي كانت عليها بقولها «كنت في فترة المراهقة، أسعى لخوض هوايات وتجارب شبابيّة، ومن تلك التجارب عروض التفحيط، حيث بدأت جالسة بجانب صديقتي نشاهد من يقومون بهذه العروض، وللأسف كنت أضطر للبس الثوب والشماغ، حتى لايتم اكتشاف أني فتاة، وتطور الأمر سريعاً، حتى تدربت على التفحيط، وقمت بعمل عرضين، لكن الآن ـ الحمد لله ـ ابتعدت عن هذا الطريق».
طموح المتجمهرات
وتقول مشجّعة للتفحيط، إنّ طموح معظم الفتيات المتجمهرات في ساحات التفحيط لا يتوقف عند الشعور بالمتعة، والإثارة لما يشاهدنه فقط، وإنما يمتد إلى أمنياتهنّ بأن يصبحن مفحطات كذلك، إضافة إلى وجود فتيات سخَّرن مواهبهن في تصوير وإخراج مقاطع فيديو لما يحدث في ساحات التفحيط.
طاقات الفتيات محبوسة!
و أكد أستاذ التربية الخاصة، موسى المنصور، أنّ أسباب الظاهرة تشمل «غياب الدور الفعال للجهات الاجتماعية والتربويّة، وكذلك الأندية الرياضية في احتواء الشباب بشكل عام» وأضاف: «أما البطالة فليس لها علاقة بتلك السلوكيات»، مبيناً أن من تمت معاقبتهم وفق القوانين، عادوا مجدداً إلى التفحيط بعد انقضاء عقوبتهم.
واستغرب المنصور من دخول فتيات إلى هذا الطريق قائلاً «بعض الفتيات مهتمات بهذه الظاهرة، كونها تعد وسيلة لإفراغ طاقاتهن وشحناتهن، في ظل انعدام أماكن احتواء مواهبهن وصقلها، مما يدفعهن إلى إخراجها في الشوارع والطرقات مع غياب الرقابة من الأهل».
غياب الدراسات!
وعن دوافع دخول الفتيات لهذا المجال، تقول الباحثة التربوية استقلال الحليو «هذا النوع من الفتيات لديهنّ حب الظهور والشهرة، إضافة إلى أنهنّ يملكن مهارات معينة يردن إبرازها، إلا أنهنّ لا يجدن أماكن، أو نوادي رياضية تساعدهن في ذلك، سوى الشوارع والطرقات»، وأشارت إلى أنّ الدور الاجتماعية، والنوادي الرياضية، لم تقم بأية دراسات حول ظاهرة التفحيط، على الرغم من امتلاك المرور إحصاءات دقيقة، من شأنها أن تساعدهم في القيام بذلك».
وشددت الحليو على أهمية دور الأهل في احتواء شريحة الفتيات قبل خروجهن إلى الشوارع وارتكابهن أية سلوكيات خاطئة، مشددةً على الخطورة الناجمة عن ممارسة هواية التفحيط التي تصل إلى خسائر في الأرواح والممتلكات.
المرور: جزاء رادع
في الجانب الرسمي، أوضح مدير شرطة المرور في المنطقة الشرقية العقيد عبدالرحمن الشنبري، أنّه تمّ تخصيص عدد من ضباط الإدارة لتتبع المفحطين في حاضرة الدمام، وذلك من خلال استراتيجية عمل منظمة مع عدد من الجهات الأمنية، بهدف الحد من هذه الظاهرة. ولفت الشنبري إلى أنّ التفحيط تعقبه نهاية مأساوية، قد تودي بحياة أبرياء، مؤكداً أن المرور سيطبق الجزاء الرادع على أي مفحط يقع في قبضة الشرطة.
الحبس خمسة أيام
وقد أسفرت الحملات الأمنية لملاحقة المفحطين عن ضبط وإيقاف 224 مفحطاً في المنطقة الشرقية خلال الشهر الماضي. وأوضح مساعد مدير المرور في المنطقة الشرقية عبدالعزيز الغامدي أن قرارات الإيقاف صدرت بحق بعض المفحطين لمدة خمسة أيام، إضافة إلى غرامات مالية، مؤكداً أنّ دعوتهم للتسامح والهدوء والتعامل الجيد في القيادة هو ما يقلل الحوادث بنسبة 30%. فكيف يتم التساهل مع المفحطين؟
توعية الشباب
و كشف مدير المرور في حفر الباطن المقدم ضيف الله الجبلي عن تزايد أعداد الحوادث المرورية خلال العام الماضي بالمحافظة، حيث وصل عدد الوفيات بها إلى 155حالة، فيما بلغ عدد المفحطين 900 مفحط، وبلغت المخالفات 18ألف مخالفة، فضلاً عن آلاف المصابين. وأشار إلى أنّ شعار هذا العام يؤكد على حرص هذه الإدارات وجهدها في حفظ أرواح قادة المركبات، مبيناً أن المعارض التوعويّة لها دور كبير في تثقيف الشباب وتوعيتهم لاتباع تعليمات المرور، وعدم التهور في قيادة المركبة.
أبناء كل الطبقات
من جانبه شدّد الباحث الاجتماعي جعفر العيد على ضرورة تكامل الأدوار في مواجهة التفحيط، وضرورة المشاركة الاجتماعية والحكومية في معالجة المشكلة. ولفت إلى أنّ التفحيط لا يقتصر على أبناء الأغنياء فقط، بل إنّ أبناء الفقراء متورطون فيه أيضاً. كما لا يرتبط بالمناسبات السعيدة، بل يُمارس حتى في المناسبات الحزينة، مؤكداً أن الآباء والأمهات يعيشون صراعاً تربوياً طوال الوقت مع رفقاء السوء الذين يرتبط أبناؤهم بهم. وأشار العيد إلى أن التفحيط يمكن تصنيفه تحليلياً من جانبين، فمن الباحثين من اعتبره ظاهرة اجتماعية، وهذه يتم التعامل معها كأية ظاهرة من الظواهر التي تنشأ في المجتمع، ويمكن أن تنتهي أو تستوعب، وفي المقابل هناك من اعتبرها مشكلة اجتماعية، وهذه يجب أن تستنفر قوى المجتمع لمواجهتها كخطر يهدد أمن واستقرار المجتمع .
وأضاف أن كثير منهم يترك فرائضه الدينية، ويفطر في شهر رمضان، ولا يبالي بفعل المنكرات، وأضاف «لقد أفاد أحد المفحطين أنّ 80 % من المفحطين يغامرون وهم تحت تأثير المخدرات، حسب بحث نشرته مجلة «المستقبل الإسلامي» عام 1427هـ». وأوضح العيد أنّ العقوبات مازالت غير مجدية لمنع التفحيط في الشوارع. وتطرق إلى طرق علاج الظاهرة قائلاً: لابد من التصدي لهذه الظاهرة بكل حزم.
الشرطة تعاني
وأضاف العيد: على الجهات الأمنية دور كبير في التصدي للمشكلة، وبذل مزيد من الجهود، وتكثيف الحضور في الساحات والاجتماعات، وعدم التساهل أو المجاملة في تطبيق العقوبات. وأضاف: هناك جهود مشكورة يقوم بها رجال المرور، والدوريات الأمنية، والشرطة، لضبط المفحطين وتطبيق العقوبة عليهم، وهم في الواقع يمرون بمواقف عصيبة بسبب التجمعات والفوضى التي يحدثها الشباب عند التفحيط. وأضاف لا يجب أن ننسى دور الإعلام في التعريف بالظاهرة وخطورتها، فللبرامج الإذاعية والتلفزيونية، والصحافة أيضاً، دور فعال في التصدي لهذه الظاهرة. كذلك هناك دور مهم للمدارس في التصدي لهذه الظاهرة، وذلك برفع الوعي بين الطلاب، ومتابعة وتقويم السلوكيات التي تصدر ممن يقومون بهذه الظاهرة، والتعاون مع الجهات المختصة للقضاء عليها . كذلك لابد من ملء أوقات فراغ الشباب، وامتصاص طاقاتهم في النشاطات النافعة، أوالبرامج الترفيهية الهادفة، عبر المراكز والمخيمات والملاعب وغيرها.