[[ALIGN=CENTER]COLOR=red]فهيد بن فرج الغيثي ...ثقافة جيل وحياة رجل[/COLOR]
افتقدت الاوساط الحائلية في مستهل هذا الشهر الفضيل علما ًورمزا من رموزِ أدبِنا الشعبي , ألا وهو الراوي الكبير / فهيد بن فرج الغيثي ـرحمه الله وأسكنه فسيح جناته ـ ولا جزع من الموت , فكل مافي الحياة الدنيا متغير إلا الموت فهو حقيقة لامفر منها وقدرٌ لامناص منه , هادم اللذات ومفرق الجماعات :
لكل اجتماعٍ من خليلين فرقة *** وكل الذي دون المماتِ قليلُ
وإنَّ افتقادي واحداً بعد واحدٍ *** دليلٌ على أن لايدوم خليلُ
هو الوحشة بعد الأُنس ,وخلو المنازل من أهلها :
قذىً بعينيك ام بالعين عوارُ *** أم ذرّفت إذ خلت من اهلها الدارُ
الوداع الذي لالقاء بعده , وما أمره من وداع :
ودعتهُ وبودِ لو يودعني *** صفو الحياةِ وأنّي لا اودعهُ
لمّا حضرت الوفاة عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال لابنه عبدالله : ( ضع خدي على الارض , علّ ربي أن يتعطف علي ويرحمني )
ونحن جميعاً مؤمنون بالذي رفع السماء بلا عمد ونثقُ بأنّ ماعند الله خيرٌ مما يجمعون , ولكن الذي يؤسفنا هو فقدان هؤلاء العظماء الذين علمونا وزرعوا في وجداننا اعظم الأخلاقيات والقيم المثلى , وهذا الرجل ـرحمه الله ـ ممن أثروا الساحة الشعبية في اوساطنا الادبية .
وُلد العلامة والرمز الكبير / فهيد بن فرج بن محارب الغيثي الشمري في عام 1342هـ وكان هذا الرجل بدوي الطابع يتنقّلُ في جُلِّ ايام حياته ـرحمه الله ـ في ضفاف أجا التي ألهمتهُ وعلمتهُ كما علمتنا جميعا هذه الجبال الشاهقة العزة والشموخ وعلو النفس والهمة , وقد تلقّى الرواية بالمشافهة من كبارِ الشعراء ِ والأدباءِ ممن عاصروه طيلة حياته وكان يتمتعُ بعبقريةٍ فذةٍ في حفظه للاشعار , فقد وثّقَ رحمه الله لكبار شعراء حائل من امثال ( مبيريك التبيناوي , عيادة بن منيس , وخضير الصعيليك , حسين الذنيب , رشيد بن طوعان وغيرهم كثير ممن يحفظ لهم )
وهي قصائد وملاحم طويلة جداً , برع في حفظِها فهو يستظهرُها غيباً في كل المناسبات والاجتماعات التي يحضرها ـ رحمه الله ـ .
وإضافة إلى أنه اشتهر بالرواية فقد كان شاعراً وله شوارد وأبيات رائعة جداً ومنها مساجلته مع الشاعر الكبير/ حمود بن عمران السويدي ـ رحمه الله ـ عندما أرسل لهُ :
يافهيد يامشكاي واثر الحضاره *** حلاتها يافهيد بس شهريني
حلاتها يافهيد حزة ثماره *** وتفرح ليا جو يمك الغانميني
ورد عليه / ابو صقر ـرحمه الله ـ :
حي الجواب الي وصوله بشارة *** صافي عسل قلّط بفنجال صيني
ياحمود فرق البادية والحضارة *** كالمد لو يوزن بربع الثميني
ساعة بحاجر فيضةٍ من قفاره *** تسوى حياةٍ بالبلاد سنتيني
ياحمود مرقاب الضحى راس قاره *** يداوي جروح القلب لوهو حزيني
والقصيدتان اطول من ذالك إلا أنه رغم قدرته على النظم فهو مُقِل في هذا الجانب.
ومن واقع مجالستي له في عدةِ زيارات ومناسبات كانت تجمعنا فقد ادهشني بحضورهِ المسرحي الطاغي أثناء سرده للقصص والأشعار فهو يجبرُك َ ان تتسمر مصغياً لكل كلمةٍ يقولها , وكان حاضر النكته حسن المعشر مرحاً لاتمل من مجالسته ـ رحمه الله ـ .
أما فيما يتعلق بالجانب الانساني فقد وهبه الله عز وجل براعةً وفراسةً فائقةً جداً في الطب الشعبي فهو ممن استخلفهم الخالق جلت قدرته لخدمة الخلق خدمة إنسانية وقد ذكر لي اخي وصديقي الاديب والشاعر الاستاذ/ صقر الفهيد ـأكبرابنائه ـ قصصاً عجيبة جداً حول هذا الجانب الذي كان يتمتع به ويمارسه بحرفنه ـ رحمه الله ـ .
يقول ابو محمد : قبل مايقارب اثنتا عشرة سنة وفد إليه مجموعة من إحدى القرى التي تبعد عن الطائف بحوالي 200 كلم وطلبوا منه بإلحاح الذهاب معهم لوجود مريض لهم قد اعياه المرض وسار برفقتهم على استحياء نظراً لمشاغله ولكنها سجية اهل المروءة والنخوة فقد قام بكيّ هذا المريض بعد ان تعرف على علته ِ وشفاهُ الله على يديه .
قبل عدة اعوام جاءه احد مرافقي ابناء الامير عبدالاله بن عبدالعزيز وطلب منه الذهاب معه للرياض لأن الامير كان يعاني من عرق النّساء الذي يتسبب في تعثر من يصيبه وقانا الله واياكم منه , وقام بكي المريض وشفي بإذن الله على يديه , وكان له زيارات مماثله في هذا الجانب الإنساني للمجمعة والقصيم والرياض وجدّة, وكان يذهب مجبراً ـرحمه الله ـ بناء على الإلحاح الشديد ورغبة منه لمنفعة الناس بما وهبهُ الله عز وجل .
وأتذكر أنه في اواخر الثمانينات الميلادية كان رئيس الاطباء بالشركة الالمانية التي اشرفت طبياً على مستشفى الملك خالد بحائل ويدعى (شيشتنج) قد أُصيب بمرض ( الوجه) او مايسمونه طبياً ( شلل العصب السابع ) كما اعتقد !! , وذُكر له ابو صقر ـرحمه الله ـ وجاءه في بيته عندما كان نازلاً في (تلعة البار) وقام بتشخيص هذا الطبيب الالماني الذي يعتبر كبير الأطباء في الشركة الالمانية وشفاه الله على يديه وبُهر الطبيب من براعته ودقته في تشخيص هذا المرض وعلاجه بإذن الله .
كان ـرحمه الله ـ لديه قدره فائقة في تشخيص وعلاج أشهر الامراض الشائعة مثل : عرق النَّساء , وشلل العصب السابع , وأمراض البرد والمعروفة شعبياً بـ(الخشة) , وبرع في علاجها بالكي ومعروف أن أمراض البرد من أكثر ألامراض المنتشره في منطقة حائل بسبب البرد القارس وهو مصداق لقول الامير / عبدالله بن رشيد ـ رحمه الله :
لي ديرةٍ مابه حذا البرد والجوع *** لولاي عفّيته بضرب الهنادي
وهي سمه مألوفه في طقس حائل الذي يتميز بشدة البروده وكان ـرحمه الله ـ يتصدى لهذا المرض المنتشر ببراعه وقدره فائقه لمعالجته بالكي بإذن الله .
وأكاد أجزم بان ماكان يتمتع به ابو صقر ـرحمه الله ـ من لياقةٍ صحيةٍ عاليه حتى وهو في آخر الثمانينات من عمره سببه دعوات هؤلاء الذين شافاهم الله بأسبابه فقد كان لايرجو الا الدعاء منهم .
والحقيقة أنّ الكلام عن هذا الرجل يطول ويستحق بحثاً مفصلاً يوفيه حقه , ولكن ماذكرته بهذه العجاله بالتعريف بمآثر هذا الرجل وهو يستحق منّا أكثر من ذلك .
رحم الله ـابو صقرـ رحمةً واسعة واسكنه فسيح جناته وجمعنا به في مستقر رحمته في الدرجات العلى إنّه ولي ذلك والقادر عليه عز وجل [/ALIGN]
[COLOR=blue]
فهد الزعيزع
" صحيفة عين حائل الاخبارية " خاص[/COLOR]