[CENTER][B]وحدة القلوب بين حائل وبيشة..!! [/B]
شهدت محافظة بيشة قبل أيام حراكا قبليا كبيرا غير مسبوق، سادته روح الإخاء وتجلت فيه معاني الإنسانية، وكان المشهد في بيشة مثيرا يدعو للتأمل والتدبر.. الحكاية وما فيها أن سجينا محكوماً عليه بالقصاص وقد اقترب موعد التنفيذ، فما كان منه إلا أن بعث بقصيدة عاطفية استنجادية (ينخى) فيها قبيلة شَمّر العريقة لعرض وجاهتها على أصحاب الدم؛ لعل وعسى أن يحظى بإعتاق ينجيه من حد السيف، وما أن وصلت القصيدة وسمعتها قبيلة شَمّر حتى لامست نخوتها العربية، فاستجابت مع مضمونها قبل انتهائها، فشدت شَمّر الرحال بقضها وقضيضها من حائل شمالا الى محافظة بيشة جنوبا حيث مقر أصحاب الدم، تاركين خلفهم الأهل والمال والمشاغل، يدفعهم لذلك حب الخير والرغبة فيما عند الله.
علم بهذا التوجه الإنساني خادم الحرمين الشريفين أبومتعب - حفظه الله - ليبارك تلك المساعي الحميدة ويدعم ذلك التوجه الخيري، فيأمر - حفظه الله - بطائرتي خطوط لتنقل شيوخ شمر وأعيانها الى بيشة، في بادرة غير مستغربة من سيد الساعين للصلح والإعتاق.
وصلت شمر الطنايا أرض بيشة لتبدأ مساعيها يحدوها الامل لإحياء نفس إحياؤها فيه إحياء للناس جميعا، بذلت كل الجهود لتصطدم بتمسك أصحاب الدم بحقهم الشرعي، فعادت شمر لمضاربها رافعة لواء النخوة والأخوة، وضاربة اروع الامثلة في التلاحم والمحبة والتضامن..!!
وأنا أتأمل هذا المشهد (الدراماتيكي) استحضرت مشاهد الماضي البعيد، وكيف أن القبيلة كانت تتحرك لمسافات طويلة، ليس من أجل إنقاذ نفس واحترام كيانها، إنما من أجل الاعتداء عليها وإهلاكها وسلبها ليضاف هذا إلى رصيد مفاخرها، كان هذا هو السائد في مجتمع ليس بدعا من المجتمعات البشرية التي انعدم أمنها واستقرارها وانتشر الثالوث المدمر من جهل ومرض وفقر بين أفرادها، فإنسان ذلك الزمن أجبرته ظروف الفوضى والرجعية أن يمارِس أو يمارَس عليه الظلم والقهر، فكانت التحالفـات والتجاذبـات والصراع من أجل البقاء، حتى قيض الله لنا الرجل الذي غير ملامح وجهة التاريخ، وحرك عقارب الزمن وألبس الأمة ثوب كرامة جديد، كان عبدالعزيز - رحمه الله - رجل المرحلة التاريخية، جاءنا بالتوحيد والوحــدة الحقيقية، فاجتث الوضع البائس المتخلف وبنى على انقاضه مجتمعا متحابا متآخيا آمنا، فتبدل الحال الأليم ووضِعَت تحت الأقدام وللأبد تلك التحالفات والعداوات والعنصرية، فامتزج الوطن أعــلاه بأسفله في وحدة حقيقية تآلفت من خلالها القلوب وتعايش الجميع تحت المبدأ القرآني (إنما المؤمنون إخوة)، فحصلت المواءمة والمصاهرة وتبادل المنافع على كافة الاصعدة..!!
وما قامت به قبيلة شمّر ما هو الا ترجمة حقيقية تطبيقية لوحدة القلوب قبل وحدة الأرض، ففي الوقت الذي تُثار فيه بشكل مقزز المناطقية والعصبية القبلية ويُحَرّض المجتمع بعضه على بعض مستهدفين لحمته والعودة به الى الخلف، فأجابتهم شَمّر في بيشة بالواقع المشاهد لنموذج العلاقة الحقة بين أبناء الوطن السعودي الواحد، هذا الواقع شيّده الأوائل بتضحياتهم وجهادهم من أجل وحدة لم تأت هكذا (بحب الخشوم)، لننعم بإنجـاز فريـــد يسمى في عُرّف الأوطان بالمكتسبات والمنجزات الوطنية..!
نضال وجهاد الأوائل نحن من قطف ثمرته واستثمرنا نتائجه، فبدلا من الحفاظ وصيانة تلك الوحدة والإنجـــازات والإرث الثميـن تجد هناك قِلّة تتعمــد مع سبق الإصرار نكء الجروح القديمة وإيقاظ النائمة وتبحث عن النتنة والمنتنة، ألا يعلم أولئك السفهاء أنهم بهذه الطريقة العبثية سوف يدخلون البلاد والعباد في أنفاق مظلمة لا نهاية لها؟!!
[/CENTER]