[CENTER]
ظاهرة الحرمان في شعر البردوني
إنه عبد الله صالح حسن الشحف البردوني (1929-1999) شاعر وناقد أدبي ومؤرخ ومفكر يمني.. ولد البردوني في قرية البردون في محافظة ذمار صدر له أكثر من اثني عشر ديواناً شعريا منها(من أرض بلقيس- مدينة الغد- في طريق الفجر) ومن مؤلفاته الفكرية (قضايا يمنية - رحلة في الشعر اليمني قديمه وحديثه- فنون الأدب الشعبي في اليمن).
البردوني إنسان كان وما زال حاضراً في كل مشهد .. داخلاً في تفاصيل ولجج الأبعاد الإنسانية ...عايش الحياة بكل تجاعيدها .. والهموم الأشجان بدها ليزها .. كان متفرداً في شخصيته داعياً إلى القيم السامية (العدالة – الحرية- والتحديث) يوشح ذلك اعتداد بالنفس واعتزاز بالآراء..
عاش فقيراً معدوماً .. لكنه عصي على التدجين والاحتواء، وقد اتصف شعره بالكثافة الرمزية .. التي تنبيء عن سعة أفقة .. واشتغال شعره على أسلوب المفارقه .. مع استلهام المعطيات السردية في النص وتعلقه بالتجريب ..
عاش الألم فأراد أن لا يجربه غيره .. وإن كانت شرائح تعيشه بصمت غير قادرة على البوح .. فإنه تولى ذلك بالنيابة عنهم .. شاهراًً سيفه الأدبي ورمحه النقدي..
ومن خلال التأمل في نصوص (البردوني) الشعرية نصل إلى ثمة علاقة وتشابهٍ قويٍ بين إبداعه وشخصيته .. وقد نجح في توظيف العناصر والمفردات المستمدة من بيئته ..
وقد تناول الدكتور / عبدالعزيز المقالح في دراسته (من أغوار الخفاء إلى مشارف التجلي) تأثير البرودني كظاهرة أدبية ثقافية وأدبية حين انتقل بالقصيدة العمودية من مرحلة الخفاء والجمود إلى مرحلة التجديد والتغيير.. وبتعبير آخر من خلال الإفصاح عن الحداثة رغم التمسك بالقالب العمودي ... والمتابع لهذه الشخصية يلاحظ عدم الاتزان نتيجة الصراع المحتدم بداخله بين الموت والرغبة في التمرد والتغيير من خلال قوله :
[poem="font="Simplified Arabic,4,#000000,bold,normal" bkcolor="#FFFFFF" bkimage="" border="none,4,#400000" shadow="1" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,#400000""]
لأنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى مت آناً بـــــــــــــعد آن=أود الـيــــــــــــــــــــــــــــــــــوم قتــــــــــــــلاً غير آنى
أحــــــــــــــاول أن أغــــــــــــــــــــــير أى شـــــــــــئ=أمام القــــــــهر امتــــــــــــــحــــــــــــــــــن امتحانى
أريــــــــــــــــــــد ولادة أخـــــــــــــــــرى لمـــــــــــــــوت=له عبــــــــــــــــــــــــــــــــق ولون أرجـــــــــــــــــــوانى
وهل أقــــــــــــــوى وخيل بنـــــــــــــى زيــــــــــــــــاد=على صــــــــــــــــــــــــدرى وعكازى حــــــــصانى
[/poem]
ومن هنا تتضح مرجعية الحرمان والاستلاب عند الشاعر ، وملامح القهر والتهميش والإقصاء في قصيدة (الجراح)التي تكشف الثالوث الخطير لديه(الوحدة- اليأس- الحرمان):
[poem="font="Simplified Arabic,4,#000000,bold,normal" bkcolor="#FFFFFF" bkimage="" border="none,4,#400000" shadow="1" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,#400000""]
وحـــــــــــــدى وراء الـــــيأس والحــــــــــــزن=تجــــــتــــــــــــــــرنى محـــــــــن إلــــــــــــــى مــــــــــحن
وطـــــــــــــفولة الفنــــــــــــــــــــــــــان تذهلـــنــــــى=عــــــــــن ثــــــــــــقــــــل آلامـــــــــى وعـــــــــن وهنى
فـــــــــــأنا هنـــــــــــا طــــفل بـــــــدون صــــبــىً=والـــــــــــيأس مرضـــــــعتـــــــــــى ومحـــــــــــتضنـى
وعـــــــــــــــــداوة الأنـــــــــــــــــــذال تتبــــــــــعنى=وتـــــــُــــغسِّــــــــــــــــل الأدران بـــــــــــــــالــــــــــــدرن[/poem]
إنه حزن كئيب من المهد إلى اللحد (مرضـــــــعتـــــــــــى- ومحـــــــــــتضنـى) وعداوة الأنذال في(الكبر) بل هي فجوة كبيرة بينه وبين واقعه في عدم قدرته على التكيف مع مجتمعه.
ويخرج لنا البردوني صارخاً في ساعة من الليل .. الذي هو موطن السكون والخلود .. لأن الجوع لا يفرق بين الليل والنهار في قصيدة باكية ومبكية :
[poem="font="Simplified Arabic,4,#000000,bold,normal" bkcolor="#FFFFFF" bkimage="" border="none,4,#400000" shadow="1" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,#400000""]
تغفو على حلم الرغيف ولم تجـــــــــــــــــد=إلا خيـــــــالاً منـــــــــــه فى الإغفـــــــــــــــــــــاء
وتضم أشباح الجياع كأنــــــــــــــــــــــــــــــــها=سجن يضم جوانح السجـــــــــــــــــــــــــــــــــناء
وتغيب فى الصمت الكئيب كأنـــــــــــــــــها=كهف وراء الكون والأضــــــــــــــــــــــــــــــــــواء
خلف الطبيعة والحياة كأنــــــــــــــــــــــــــــــها=شىء وراء طبائع الأشــــــــــــــــــــــــــــــــــــــياء
ترنو إلى الأمل المولى مثلــــــــــــــــــــــــــــما=يرنو الغريق إلى المغيث النــــــــــــــــــــــــائى
وتلملم الأحلام من صدر الدجى=سوداً كأشباح الدجى الســــــــــــــــــــــــــــــوداء[/poem]
إنها حيرة تنقله إلى أخرى... ومن حفرة إلى أختها .. فالحرمان والتهميش يعطي نتائج عكسية للشخص الطبيعي ، فكيف عندما يكون ذلك للمبدعين والعباقرة والمفكرين.. عندها يكون الحرمان وطأة لن تخف .. وردة فعل لن تكف.
الدكتور : نايف بن مهيلب المهيلب
رئيس مجلس إدارة النادي الأدبي بمنطقة حائل
[/CENTER]