[ALIGN=CENTER][COLOR=red]نصفي المشلول!!![/COLOR]
لا شك أن عالمينا العربي والإسلامي مصابان بشلل نصفي يعيق من تحركنا, ويحد من تصرفاتنا ويجعل منا عاجزين عن التحرك بحرية, وذلك بسبب تحجيم دور المرأة المسلمة, فدور المرأة المسلمة قد قيد بأسباب أعراف وتقاليد لا تمت للإسلام في كثير من الأحيان بصلة, ولكن حدث ذلك من فرط أنانية الرجل ومن أجل فرض السلطة الذكورية لكونه القوام والرئيس والآمر الناهي في هذه الغابة العنصرية؛ ففي عصر الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام وكذلك في عصر الصحابة كانت المرأة المسلمة تنال كل حقوقها وتقف بجوار الرجل تسانده وتنصره وتؤازره, فنشرت الدعوة وساهمت في انتشار الإسلام بكل ما أتيت من قوة, فقد طببت الجرحى وقاتلت في سبيل الله بجوار الرجل, فركبت الجمل وابتاعت واشترت وسافرت وجاهدت وهاجرت.
وفي عصرنا الحاضر- وللأسف الشديد - نرى حلقات الطوق تزيد حول أعناق النساء طوق تلو الآخر حتى إنها تكاد تختنق في عصر يفترض أن تصل فيه المرأة لأقصى إنتاجيتها بمساعدة أدوات العصر المتاحة ولكن - وللأسف الشديد - نرى بأم أعيننا تلك العوائق والحواجز ما يقهر ويتقهقر ويحد من تحركها في دوائر العطاء والإنتاج.
وكم تركت لنا نساء المسلمين من سير عطرة وبطولات فذة, ومنها على سبيل المثال هند بنت عتبة, فقد كانت مقاتلة وشجاعة؛ حيث اشتركت في الجهاد مع زوجها أبي سفيان في غزوة اليرموك الشهيرة, وأبلت فيها بلاء حسناً, وكانت تحرض المسلمين على قتال الروم فتقول: عاجلوهم بسيوفكم يا معشر المسلمين.
وهذه الصحابية الجليلة أم سعد هي التي حكت ما حدث لأم عمارة رضي الله عنها في غزوة أحد, قالت رضي الله عنها: دخلت على أم عمارة رضي الله عنها فقلت لها: يا خالة, أخبريني خبرك, فقالت: خرجت أول النهار أنظر ما يصنع الناس, ومعي سقاء فيه ماء, فانتهيت إلى رسول الله  وهو في أصحابه, والدولة والريح للمسلمين, فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله , فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف, وأرمي عن القوس حتى خلصت الجراح إلي, قالت أم سعد: فرأيت على عاتقها جرحاً أجوف له غور, فقلت لها: من أصابك بهذا؟ قالت أم عمارة: ابن قمئة أقمأه الله, لما ولى الناس عن رسول الله  أقبل يقول: دلوني على محمد, لا نجوت إن نجا فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير وأناس ممن ثبت مع رسول الله  فضربني هذه الضربة. ولقد ضربته على ذلك ضربات, ولكن عدو الله كان عليه درعان.
الخنساء رضي الله عنها قد ذاع وطار صيتها في كل مكان, وخاصة من خلال مراثيها التي سارت بها الركبان وهي إلى شاعريتها صاحبة شخصية قوية,تتمتع بالفضائل والخلاق العالية, والرأي الحصيف, والصبر والشجاعة, وأن موقفها يوم القادسية لدليل واضح على صبرها وشجاعتها, فقد خرجت في هذه المعركة مع المسلمين ومعها أبناؤها الأربعة, وهناك, وقبل بدء القتال أوصتهم فقالت: يا بني, لقد أسلمتم طائعين, وهاجرتم مختارين, ووالله الذي لا إله إلا هو إنكم بنو امرأة واحدة,ما خنت أباكم, ولا فضحت خالكم إلى أن قالت: فإذا أصبحت غداً إن شاء الله سالمين, فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين, وبالله على أعدائه منتصرين, فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها, وجعلت ناراً على أوراقها , فتيمموا وطيسها, وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها, تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة.
وها هي أم عطية أسلمت مع السابقات من نساء الأنصار, وفي ساحات الوغى وتحت ظلال السيوف كانت رضي الله عنها تسير في ركب الجيش الغازي, تروي ظمأ المجاهدين, وتضمد جراحهم, وترقأ دمهم, وتعد طعامهم, فعن أم عطية رضي الله عنها قالت:غزوت مع النبي  سبع غزوات أخلفهم في رحالهم, فأصنع لهم الطعام, وأداوي الجرحى, وأقوم على المرضى.
والأمثلة كثيرة لا يمكن حصرها وإيجازها بهذه العجالة, فقد كان للكثير من النساء أدوار متعددة ومختلفة في شتى المجالات في كل العصور من عصر الجاهلية والعصر الإسلامي, وإلى قبل قرون قليلة. وفي عصرنا الحاضر هناك نماذج نسائية كان لهن الفضل بعد الله في اكتشافات عديدة خدمت وتخدم الإنسانية, منهن على سبيل المثال لا الحصر, وهن نساء ساهمن في أعظم إنجازات الثورة العلمية الحديثة (مرفوضات وغير معترف بهن؟), فذكرت قصص ثلاث نسوة عبقريات كان لهن الدور الكبير في إحداث اختراقات نوعية فيه: (روزاليند فرانكلين ROSALIND FRANKLIN) أول من كشف النقاب عن الشفرة الوراثية, و(دوروثي كروفوت هودجكن DOROTHY CROWFOOT HODGKIN ) التي طورت تقنية معرفة التركيب الذري للبنسلين والأنسولين, و( باربارا مك كلينتوك BARARA McCLINtock ) التي طرحت فكرة ثورية عن (طفرة ) الجينات وتغير صفات الكائن مع الزمن.
أما قصة فرانكلين فحزينة تروي الخيانة في العمل وسرقة الجهود؛ فعندما شقت الطريق إلى معرفة تركب ( الكود الوراثي ) عند الإنسان من خلال تطوير تقنية دراستها بالأشعة السينية في عمل إبداعي مذهل وصور على غاية الجمال, خانها صديقها في العمل (موريس ويلكينز MAURICE WILKINS ) لأنها كانت عالمة معتدة بنفسها أكثر من مساعدة تبني مجده؛ فتطوع بنقل عصارة جهدها سراً لرجلين منافسين هما الثنائي (جيمس واتسون GAMES WATSON وفرانسيس كريك FRANCIS CRICK ) حصدا ثمرة عملها بقطف جائزة نوبل للكيمياء الحيوية عام 1962م, وتسجيل اسمهما في التاريخ أنهما كانا أول من سبق في إماطة اللثام عن تركيب الخارطة السرية للخلق ( الحامض النووي) في نواة الخلية, كانت أثناءها روزاليند فرانكلين قد ماتت بسرطان الثدي عن عمر 37 سنة.
ولم يكتف ( جيمس واتسون ) بالاستفادة من عمل السرقة بل لاحقها إلى القبر في كلمات عجيبة تخترقها في أهم خصوصية لها كأنثى مع أنها كانت فاتنة لم تكن لتعنى بنفسها كامرأة قط, لا في ملابسها ولا حتى بأحمر الشفاه؟! ولكنه اعترف في آخر كتابه بأن معلومات الكشف الخطير تسربت له من يهوذا الخائن.
وأما (دوروثي هودجكن) التي درست في أوكسفورد, وكان من تلامذتها أول رئيسة وزراء هي ( مارجريت تاتشر), فكان لها دور اكتشاف البناء الذري للمواد الكيماوية الحيوية التي سمتها (البلورات الأنيقة الجميلة)؛ وهو ما قاد إلى الإمساك بسر تصنيعها لاحقا كما في الأنسولين الذي قامت بدراسته لمدة 35 سنة, أو الفيتامين ب12 الذي اشتغلت عليه لمدة سبع سنوات وكان نقصه يقود إلى فاقة الدم الخبيثة القاتلة, ولم يمنعها الروماتيزم الخبيث الذي شوه يديها من متابعة عملها, فوصلت إلى معرفة تركيب الكلسترول المركب الأساسي للهرمونات الجنسية, والفيتامين D المسئول عن كساح العظام عند الأطفال, وفي النهاية تم الاعتراف بها فمنحت جائزة نوبل للكيمياء عام 1964م, وكانت المرأة الثالثة في تاريخ الجائزة, ووصلت في خاتمة حياتها إلى رئاسة (اتحاد العلماء) عام 1975م وأمضت بقية حياتها تكافح ضد التسلح النووي لتودع العالم عام 1994م.
أما الثالثة (مك كلينتوك) فكانت ثالث ثلاثة من رواد علم الوراثة بجانب (جريجوري مندل) و(توماس هانت مورجان THOMAS HANT MORGAN), فأما الأول وضع قوانين الوراثة الثلاثة عام 1865م, وأما الثاني فاستطاع أن يربط ماديا بين الصفات الوراثية والكروموسومات, ولكن فكرة (مك كلينتوك) كانت عن حركة الجينات فهي تقفز من مكانها فتغير صفات المخلوق وهي ما عرفت بـ (الطفرة MUTATION), وهذا قرب إلى فهم نظرية التطور أكثر عن خلق مبرمج يمشي خلقا من بعد خلق, يزيد في الخلق ما يشاء, وبقيت مك كلينتوك تمارس نشاطها العلمي لسن التسعين بعمل سبعة أيام في الأسبوع لمدة 12 ساعة يوميا في عشق لا يزوي من حب المعرفة في مخبر (كولد سبرنج) في ولاية نيويورك (COLD SPRING HARBOR LABORATORY). وصفت السيدة كلينتوك بأنها كانت (ظاهرة إبداعية) تشك كثيراً, وتتنبأ أكثر, ووضعت قوانين الجينات دوما تحت وابل من الأسئلة المتشككة, واعتبرت أن الوراثة ما زالت حافلة بالأسرار لم تبح ما في صدرها, وكانت محقة في ذلك عندما اكتشفت في نبات الذرة ظاهرة الطفرة, فحققت بذلك أعظم إنجازات القرن. قالت مك كلينتوك: إن الجينات لا تجلس متجمدة كتلا ثابتة كحبات اللؤلؤ في جيد حسناء, بل هي وبالصدفة تتزحزح من موضعها من وقت لآخر وبطريقة مجهولة, وهو ما يغير المعلومات الوراثية, وبهذا الطرح عارضت الجو العلمي جملة وتفصيلا بتحدي مسلمة رئيسية من ثبات الجينات.
كانت مك كلينتوك راديكالية ولا تبحث عن المجاملات في العمل العلمي, ومصممة ووحيدة مما عرضها (كأنثى) أن لا تفهم وترفض وتتهم أنها لا تمشي مع السياق العام. وبقيت أفكارها حول الطفرة لا تؤخذ بعين الاعتبار حتى تقدم اثنان من العلماء ( الذكور) عام 1961م هما (فرانسوا جاكوب FRANCOIS JACOB وجاك مونود JACQUES MONOD ) بموديل جديد حول توجيه الجينات عند البكتريا, في شبه كبير لطرح السيدة مك كلينتوك حول نظام الطفرة, وبعد أربع سنوات عام 1965م نال الاثنان جائزة نوبل عليها, ولم يستوعب العالم حتى ذلك الوقت الطرح المثير والجريء التي كان قد سبقت فيه مك كلينتوك بمراحل لتوصف ووصفت بأنها تستخدم طرقا بالية قديمة لوضع استنتاجاتها.
كانت مك كلينتوك متفردة باقتناعها وبحدس خاص تستخلص عصارات هامة من وحي الطبيعة تتجلى لها في لحظات العمل المخبري. وتطاول الوقت حتى السبعينيات من هذا القرن حتى بدأت تشد الانتباه بأفكارها, وفي عام 1983م قبل موتها بتسع سنوات وعمرها يومها 81 سنة منحت متفردة وللمرة الأولى في تاريخ النساء جائزة نوبل للطب عن عمل كانت قد نشرته قبل 36 سنة في عام 1947م. واليوم مك كلينتوك بجانب مندل ومورغان هنت أحد الأدمغة الأعظم في علم الوراثة.
وقبل فترة قصيرة قامت عالمتان أمريكيتان هما (إليزابيث بلاك بورن وكارول جايدر) باختراق معرفي مثير عن الكشف عن إنزيم الموت عندنا؛ فقد عرف أن حياتنا محدودة بعدد معين من الانقسامات الخلوية, ومع كل انقسام تتآكل نهاية الكروموسوم الذي يحفظ أسرار بناء الجسم, وبتواتر الانقسامات تستهلك النهاية الحافظة للكروموسوم فينفرط عقده ويعجز عن نقل أسراره, وإعادة طباعتها في مطابع الخلية (الريبوسوم ) في وثيقة اضطربت سطورها لا تصلح للحياة. اهتدت العالمتان إلى ما يعمل ضد الاهتراء, وعرف أنه إنزيم ( التيلوميراز ) يتكاثر في أجسام الأجنة وأنسجة السرطان, فإذا حقنت به الخلايا تابعت انقسامها ونشاطها بدون مظاهر الشيخوخة.
اليوم يتم كشف علمي مثير عن الدماغ الإنساني انه دماغان؛ يمتاز الأيسر بالتحليل العقلي والنطق, وتحتل الأيمن فيه المشاعر والأحاسيس, وعرف أن دماغ الرجل أثقل وزناً وأكثر بـ 16% بعدد النورونات من المرأة, مقابل ضمور دماغ الذكر بتقدم العمر, ولكن دماغ المرأة يتمتع بربط أشد إحكاماً بين نصفيه؛ وهو ما يحيل النطق عندها إلى عملية مفعمة بالوجدان, وتتحول المرأة إلى كائن أكثر اجتماعية وأفضل قدرة بإثارة مواضيع منوعة للنقاش كبلبل لا يكف عن صدح أعذب الأنغام في حياة ثرة غنية, المرأة تعيش أكثر من الرجل سبع سنوات, تحمل كرها وتضع كرها, هي مستودع الرحمة وينبوع الحب ومخزن الثقافة, تشحن ( لا وعي ) الطفل بالقيم والخبرات, تبني شخصيته وتعلمه النطق وإتقان اللغة, وبها يدخل عالم الاتصالات البشري, وثبت بالتجربة أن الأمهات الصامتات يموت أطفالهن مع وافر الغذاء.
دشنت المرأة الثورة الزراعية فأدخلت الإنسان الحضارة ولم يكن شيئا مذكوراً كما أكد المؤرخ ( ديورانت ), وما زلت تحب الرياحين, ولكن الثقافة الإنسانية ابتليت بخطأ كرموسومي عندما تأسس المجتمع على عنف واحترام العضلات وسيادة الذكور وعسكرة المجتمع؛ فاستلبت منه الرحمة وانزلقت ( المرأة ) على طبقة مسحوقة مستغلة دونية, واختل توازن المجتمع الإنساني وما زال بما فيه قمته الشمالية, وقصص النساء العبقريات عينة بسيطة من كارثة ثقافة التميز الجنسي؛ فأين المرأة المسلمة الموؤدة من كل هذا؟
مع هذا فلم تطو صفحة التاريخ كطي السجل للكتب بل كل المستقبل للمرأة, فأين دهاء المرأة؟ فقد أثبتت الدراسات اليوم أن المرأة أكثر ذكاء من الرجل, وقد يكون اكتشاف الرجل لذلك هو سبب خوفه من تقدم المرأة عليه؛ وهو ما سيعلن في مفاجاة غير سارة بإلغاء ثقافة الفحولة. والسؤال المطروح .. متى تستعيد عافيتك يا نصفي المشلول؟[/ALIGN].
[COLOR=blue]د. محمد حمد خليص الحربي
خاص " عين حائل "[/COLOR]