قصة/ رحيل سحابه
لازالت اصابعها البارده وذراعيها الواهنتين تعانقاني ، وهي تهمس لي بصوت يرتجف كورقة شجر لبلاب تقاذفته رياح الخريف المغادره ( زهوري الصغيره أمانة معك لاتنساهم ، اسقهم حنانا وادفئهم من صقيع الأيام وغدر الليالي ) ثم غادرت بسلام ، وأغمضت جميلتي عيناها الحزينتان ودمعة في مقلتيها جمدهما الموت ليحتارا بالنزول حتى يموتا معها أو يظلا مكانهما ليشهدا على انتهاء أخر فصل من فصول رواية تلك الجليله ، ماتت جميلتي ،، وغادرت نحو السماء ولازلت اتلمس مكان اصابعها على كتفي وهي تحاول طرد شبح الموت لتمسك بي ، فخذلتها ، ليخطفها ذلك المارد الأسود مني ، لازلت هاربا من الذكرى رغم سنوات مضت لموتها ، لازلت اغمض عيناي كلما لاح طيفها أمامي ، لعلي احتفظ به قليلا قبل أن يغادرني .. مازال خاتمها بين أصابعي يحمل اسمها ( جميله ) اتلمسه كلما فاض بي الشوق واضناني الحنين ، وكلما مرت لحظات حزن على شفق حياتي لعلي أهدأ قليلا واشعر بها تهديني الطمأنينه والراحه ، جميلتي رفيقة الطفوله وصديقة الحياه وحب العمر الذي لايفنى ، جميلتي هي زوجتي وحبيبتي وابتسامة أيامي الماضيه ، جمعني بها الأمل والألم ، شاركتني احزاني وشاركتها ألامها شاركتني تعاستي وبؤسي وشاركتها يتمها ومرضها ، قالوا لها انتي اجمل واصغر لاتتزوجيه واهتمي بإخوتك فهم أيتام يحتاجون قوتك ، وستجدين من يقدر أنوثتك ويهديك السعاده فانتظري قالت لهم :- هو أخي معهم احتضنه كما احتضن أيتامي ، هو بحاجتي وانا تعلمت العطاء ، هو صديقي منذ طفولتي وحبيبي في ريعان شبابي ، هو سندي وأبي عندما فقدت أبي ، وأمي عندما ماتت أمي ، وزوجي الذي سأرمي عليه حملي الثقيل ، احتاجه مثلما يحتاجني وسعيدة به مثلما هو سعيد بي ، فدعونا وشأننا ..
لن أنسى جميلتي كلماتك وأنتي تطردين الدخلاء عن حياتنا ، لن أنسى كم خسرتي حتى تكسبين تواجدي معك ، فكنتي معي وكنت معك نحارب الفقر والحاجه ونبني الأمل وعيون إخوتك لك ترقبك كلما تحركتي ، حتى هاجمك المرض يحاول أن يختطفك مني ومن إخوتك ،، قاومناه معا ، حاولنا طرده ، نمت ليالي كثيره عند قدميك ادلكهما ووقفت كثيرا عند رأسك أرقيك بكلمات الله ، وكلما غفت عيناك المتعبتين مسحت دموعي وكتمت أنيني وداخلي يصيح لاتتركيني وحيدا فأنا اليتيم برحيلك ..
كنتي رغم شدة المرض تبحثين عن اخوتك فأطمأنك هم بحفظ الله فلا تحزني ، حتى جاءت سكرة الموت والتي لامفر منها ، امسكتي بي بقوه لاتتركني ، لاتدعهم يأخذونني من اخوتي فهم بحاجتي ، وانا اركض معهم احاول اسعافك لعلي انقذك من ذلك الزائر الكريه ،كنتي تموتين بين ذراعاي فأضخ أنفاسي في رئتيك بقبلات الحياه واضغط على صدرك لعل قلبك ينبض ودمك يتحرك نجحت مره ليسعدني الله برؤية عيناك الدامعتان وهما تودعاني وتمسكين بكتفي لتقربين شفتيك الهامستين من اذني بصوت مخنوق راحلا للأبد( زهوري الصغيره أمانه معك لاتنساهم اسقهم حنانا ، وادفئهم من صقيع الأيام وغدر الليالي ) ثم اغمضت عيناك وانا لازلت احاول ان اجعلك تتنفسين ولازلت احارب لأجلك فلا تتركيني ، فعانقتك عناق الوداع الأخير ، واجهزة الموت حولك تعلن حدادي والاطباء يحاولون أن ينتزعوك من صدري الذي أطبق عليك .. ودموع حائره في عيناك جمدهما الموت لاتعرفان أين مصيرهم ، حملتك بين ذراعاي وكفنت جسدك الطاهر ، ووضعتك في فراشك الأبدي ،، وأنا اهمس للتراب والحجر ترفقا بها فهي أمانة عندكم ،ويا أرض احضنيها . ويا سماء هي ضيفة بين رحابك فأحسني استقبالها ويارب ياعظيم ويا رحيم احفظهاواغفر لها ، وذهبت بعد وداعك لزهورك اليتيمه وأمسكت بأيديهم وهم يسألونني أين جميله وأكملت الطريق معهم وانا اخبرهم انك تختبئين كشعاع نور خلف السحاب تراقبيننا وفراشة هائمه بين الزهور ترتشفين رحيق الجنه ، ولازلت أشعر بك مع نسمات الهواء تأتين لتلامسين وجهي وتهمسين لي ، ( لازلت انتظرك ) ، حلقي يا جميلتي فأنتي رذاذ الحياه وامطارها ، حلقي فوق الجبال وعلى الانهار وفي الفيافي ، حلقي فما خلقت الارض لك فأنتي طيف من الجنه ، وانتظريني فأنا لازلت احتضن زهورك وخاتمك فهما نبض الحياه لي ،ولازلت اتصدق لأجلك ، وأعمل لأجلك ، وابتسم لأجلك ، وأتكلم لأجلك ، وأكل لأجلك ولازلت محتفظا بالأمانه لأجلك حتى تصعد روحي لتعانق روحك عناقا ابديا ..
32 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓