احتفلت المانيا في عطلة نهاية الأسبوع بالذكرى الخامسة والعشرين لإعادة توحيد شطريها الشرقي والغربي، بعد هدم حائط برلين الذي كرس طوال سنوات مفاهيم التقسيم والفرقة بين أبناء الشعب الواحد.
احتفالات هذا العام التي احتضنتها مدينة فرانكفورت العاصمة المالية لعصب الاقتصاد الأوروبي، شهدت تواجدا لافتا للعديد من اللاجئين السوريين، الذين جاؤوا تعبيرا عن شكرهم وامتنانهم لموقف المانيا الإنساني حيال مأساتهم، وسياسة الباب المفتوح واليد الممدودة التي انتهجتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في استقبالهم وتوفير المأوى لهم.
ألمانيا وجدت في مأساة هؤلاء اللاجئين فرصة ذهبية لتلميع صورتها المشوهة تاريخيا بسبب الأقليات، كما ان عامل الشيخوخة الذي بات يقض مضجع المجتمع الألماني كان السبب الرئيسي خلف اتخاذ هذا القرار والذي يبدو للوهلة الاولى كارثيا، اذا تواصل تدفق أعداد اللاجئين بتلك الصورة المتسارعة طرديا.
ورغم كل الاعتراضات السياسية والشعبية، أصرت ميركل على قرارها الشجاع والذي تعتبر انه سينقذ بلادها من مستقبل مجهول، لا ادري لماذا استحضرت عند سماعي لحديثها شخصية رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر، تلك المراة الحديدية التي واجهت مجتمعا كاملا بإصلاحات اقتصادية قاسية لكنها كانت ضرورية للنهوض ببريطانيا.
فبحسب اخر تقرير لمكتب الإحصاءات الألماني فان معدل المواليد في البلاد قد شهد العام الماضي ارتفاعا إلى أعلى مستوى له منذ 12 عاما، لكنه لم يعوض بعد معدل الوفيات حيث ما زال العدد الاجمالي للسكان في تراجع، ما يدفع السياسة الألمانية دفعا الى القبول بخيار استقدام سكان جدد.
المانيا لا تحتفل اليوم فقط باليوبيل الفضي لسقوط جدار برلين السياسي، بقدر احتفائها بسقوط جدار الفصل، الذي صنف الألمان يوما ما كأكثر الشعوب عنصرية، كلما مرت في الأذهان صور معاناة اليهود على أيدي النازيين مطلع القرن الماضي، اليوم نجد المانيا مختلفة كليا بوجه بشوش وابتسامة عريضة ترحب بالغرباء، لكنها مع ذلك تبقى امام التحدي الاكثر صعوبة، الا وهو تحدي الاندماج .
أعداد اللاجئين الى المانيا قد تتجاوز المليون مع نهاية العام الحالي، وفي حال تم توزيع بعضهم وفق نظام المحاصصة الأوروبي، فان الحكومة الألمانية مسؤولة عن دمج هؤلاء القادمين الجدد في الداخل الألماني، وعدم تركهم فريسة للعزلة الاجتماعية، وتكوين تجمعات عرقية ومذهبية داخل الدولة الألمانية، بالشكل الذي قد يفقدها السيطرة على شريحة واسعة من هؤلاء المهاجرين، كما حدث يوما في بريطانيا.
اعتقد ان المانيا استطاعت هدم الجدار النفسي حيال عملية استقبال اللاجئين، وإقناع شريحة واسعة من أبناء الشعب الألماني بهذه الخطوة، لكن الاكثر أهمية اليوم هو العمل على تحطيم الجدار الفكري والحواجز الثقافية والاجتماعية بين سكان البلد الأصليين والقادمين الجدد، الامر الذي سيحول دون تقوقع اللاجئين على أنفسهم وظهور أمراض لعينة يبدو المجتمع في غنى عنها، كالتطرف الديني وظاهرة الإرهاب.
الخطوة الألمانية القائمة على احتضان المهاجرين يجب ان تستتبع أيضاً بخطوات تجنب المجتمع الألماني تلك الأخطاء التي وقعت فيها مجتمعات مجاورة، عندما سمحت لبعض الأصوات العنصرية بالتعالي والتحريض على كل من يمتلك لونا او دينا او حتى فكرا مختلفا، ما سمح ببناء مئات الجدران العازلة بين أبناء المجتمع الواحد، حتى فقدوا القدرة على التفاهم والتواصل، فاستغلت أياد خارجية تلك الفجوة الاجتماعية لهدم الثقة وتكريس الأحادية في مجتمع متعدد الأصول والمشارب.
ألمانيا هدمت حائط برلين بين شرقها وغربها قبل ربع قرن، واليوم تمسك معولها مجددا لتهدم حائطا اكبر بين شرق العالم وغربه، فهل تنجح في هدم جدران قوامها أفكار ومعتقدات بالية كما نجحت في هدم جدران الحجارة ؟ شخصيا أتأمل ذلك، و لا اعتقد بأننا سننتظر طويلا لنحصل على الإجابة .
1 ping