أهالي حائل الكرام وغبار الموت !
قال تعالى: ( فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) المائدة: 31.
وقال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) آل عمران: 185.
الصَّلاةُ على الميِّتِ المسلمِ الحاضِرِ فرضُ كفايةٍ. الدليل قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "قوموا فصلُّوا عليه" فيه وجوبُ الصَّلاة على الميِّت، وهي فرضُ كفايةٍ بالإجماع.
وحديث عبدالله بن جعفر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"اصنعوا لآل جعفر طعاماً فإنه قد أتاهم أمر شغلهم".
فولاة أمرنا في هذه البلاد ـالمملكة العربية السعودية ـ آل سعود ـ رحم الله موتاهم وحفظ أحياءهم ـ اهتموا بمن هو على تراب هذا الوطن الغالي من مواطن ومقيم !
ومن اهتماماتهم الجليلة ـ حفظهم الله ـ بالموتى:
تسوير المقابر, وبناء المباني فيها لسكن العمـال, ولتأسيس المغاسل الطاهرة للموتى, ولبناء المستودعات الضخمة; لتخزين الحاجات اللازمة لغسيل وتجهيز الموتى, ولتوفير المعدات لحفر القبور للموتى, ولتوفير اللُبن من الطين, ولتوفير الصخور, وأكوام البطحاء والتراب, كل هذا مُوفر بميزانيات ضخمة من الدولة ـ أعانها الله ـ .
فلا يوجد دولة في العالم مثل تعامل دولتنا مع الموتى في هذه البلاد, ترصد ميزانيات سخيّة لتجهيز الموتى والمحافظة على أجسادهم وكرامتهم ـ جزاهم الله عن المواطن والمقيم خير الجزاءـ .
إن تجهيز الميّت في غير هذه البلاد يُكلف أهله أكثر من تجهيز الزواج, فنبتهل إلى الله بأن يحفظ حكامنا آل سعود من كل سوء ومكروه, وأن يُمكنهم على أعدائهم بالنصر والتمكين ـ آمين ـ .
وأهالي حائل هم أكثر من غيرهم بالتراحم والتوادد والمواساة والتعاطف والتكافل مع الميت وأهل الميت, فالصفوف الهائلة خلف الإمـام للصلاة على الميت, ومن ثم اتّـباع هذه الحشود المزدحمة للجنازة إلى المقبرة, ومن ثم التزاحم الكبير حول القبر للحثيات الثلاث. وبعدها يأتي الازدحـام الشديد لتعزية أهل الميت بميّتهم, وبعد ذلك الحضور إلى منزل أهل الميت رجـالاً ونساءً, والجيران بالخدمة من قهوةٍ وشاي ومن طعام ومشروبات لمدة ثلاثة أيام بلياليهنّ, هؤلاء يعزّون ويدعون, وهؤلاء يواسون ويخرجون.
فالأب الحزين على فقدان ولده, والولد الحزين على فقدان والده أو والدته, والأم المحزونة على ولدها, والأخوة الجرحى لفقدان أخيهم أو أبيهم, يسلون قليلاً ويغفلون عن آهات الحزن ودموع العيون, بتعازي أقاربهم وجيرانهم وأحبابهم من أهل المنطقة.
فهذه الصفات الإنسانية العظيمة هي مزروعة بجبال وأودية ونفود منطقة حائل, وهي ممتزجة بدمـاء وأرواح أهل منطقة حائل.
فعسى أن تكون هذه الصفات دائمة بين النـاس