تجارة الانتحار!
لازالت تجارة الانتحار ظروفها غامضة، وأسبابها مجهولة، وشواهدها ملموسة، ولا نعلم ماهي دوافعها أو من يقف خلفها، وهل كانت بفعل مس أو من أثر ضغوط الحياة أو من حالات نفسية؟ فالانتحار: هو الفعل الذي يتضمن تسبب الشخص عمدًا في موت نفسه، وتُرتكب جريمة الانتحار غالبًا بسبب اليأس، والذي كثيرًا ما يُعزى إلى اضطراب نفسي مثل الاكتئاب أو الهوس الاكتئابي أو الفصام أو إدمان الكحول أو تعاطي المخدرات، وغالبًا ما تلعب عوامل الإجهاد مثل الصعوبات المالية أو المشكلات في العلاقات الشخصية دوراً في ذلك، وقد أوردت بيانات لمنظمة الصحة العالمية بأن 75% من حالات الانتحار تسجل ما بين متوسطي الدخل وسكان الدول الفقيرة، وتشمل الجهود المبذولة لمنع الانتحار تقييد الوصول إلى الأسلحة النارية، وعلاج الأمراض النفسية وإساءة استعمال المخدرات، فضلاً عن تحسين التنمية الاقتصادية، وتختلف الطريقة الأكثر شيوعًا للانتحار حسب البلد، كما ترتبط جزئيًا بمدى توافر الوسائل، وتشمل الطرق الشائعة ما يلي: الشنق والتسمم بواسطة المبيدات الحشرية والأسلحة النارية، وهناك ما بين 800.000 إلى مليون شخص تقريبًا يموتون كل عام عن طريق الانتحار، مما يجعله عاشر الأسباب الرئيسية للوفاة في العالم، كما أن المعدلات أعلى في الرجال عنه في النساء، حيث أن الذكور أكثر عرضة لقتل أنفسهم من الإناث بمقدار 3-4 مرات، وهناك ما يقدر بنحو من 10 إلى 20 مليون محاولة انتحار فاشلة كل عام، وهذه المحاولات أكثر شيوعًا بين الشباب والإناث.
وقد تأثرت وتباينت وجهات النظر حول الانتحار بالموضوعات الوجودية العامة مثل الدين والشرف ومعنى الحياة، وتعتبر الأديان الإبراهيمية تقليديًا أن الانتحار معصية لله ويرجع ذلك إلى الإيمان بقدسية الحياة، وخلال عهد الساموراي في اليابان كانت طقوس السيبوكو تعتبر وسيلة محترمة للتكفير عن الفشل أو تعتبر كشكل من أشكال الاحتجاج، فالستي مثلا : عبارة عن ممارسة جنائزية هندية يجرمها القانون الآن، وكانت تستلزم أن تقوم الأرملة بالتضحية بنفسها في المحرقة الجنائزية لزوجها، سواءً برغبة أو تحت ضغط من الأسرة والمجتمع الانتحار ومحاولة الانتحار، في حين كانت جريمة يُعاقَب عليها جنائيًا في السابق، إلا أنها لم تعد كذلك في معظم البلدان الغربية، وفي المقابل فهي لا تزال تمثل جريمة جنائية في معظم البلدان الإسلامية، وفي القرنين العشرين والحادي والعشرين استُخدم الانتحار في شكل التضحية بالنفس كوسيلة للاعتراض واستُخدمت الهجمات الفدائية والتفجيرات الانتحارية كتكتيك عسكري أو إرهابي لتصبح أيضا تجارة مدفوعة ثمنها من أجل تحقيق ذلك، ويبقى تعريف الانتحار في منهجنا الإسلامي : بأنه تعدي الإنسان على نفسه، أي أن يقتل الإنسان نفسه متعمداً، فالانتحار كبيرة من كبائر الذنوب، وفاعلها متوعد بالخلود في نار جهنم أبداً، ويعذبه الله تعالى بالوسيلة التي انتحر بها، وقتل النفس ليس حلاً للخروج من المشاكل التي يبثها الشيطان، والوساوس التي يلقيها في النفوس، ولو لم يكن بعد الموت بعث ولا حساب لهانت كثير من النفوس على أصحابها، ولكن بعد الموت حساب وعتاب، وقبر وظلمة، وصراط وزلة، ثم إما نار وإما جنة، ولهذا جاء تحريم الانتحار بكل وسائله من قتل الإنسان نفسه، أو إتلاف عضو من أعضائه أو إفساده أو إضعافه بأي شكل من الأشكال، أو قتل الإنسان نفسه بمأكول أو مشروب ... إلخ ولهذا جاء التحذير عن الانتحار بقول ربنا جلت قدرته وتقدست أسماؤه حيث قال: ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما * ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسيراً )، وقال تعالى: ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة )، وقال تعالى: ( ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق إلى قوله تعالى: ( ومن يفعل ذلك يلق أثاماً * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً )، وكذلك جاء التحذير في سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن شرب سماً، فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا " [ رواه مسلم ] .
سامي أبودش
كاتب مقالات .