ابن عمي والغريب علية !
ابن عمي والغريب علية ! هكذا أصبح المثل وبكل أسف ، لنجده اليوم معكوسا ومطبقا علينا بدلا من صحته أو حقيقته المعروفة بـ : أنا وابن عمي على الغريب ، فهذا المثل المعكوس والذي لم يكن إلا كأشبه بموضة كانت ولا زالت تنتشر لتسرح وتمرح بيننا ، بل هو مرض عصر لم يكن موجودا في عصور من كانوا قبلنا ، فنجد في معناه مثلا : أن يقف ابن عمي مع الغريب متخليا عني ليكون ضدي ، كارها لي وحاسدا حتى على رزقي ، وفارحا لألمي ومتشمتا لمصيبتي ، وبايعا غير شاري بعكس الغريب ، والذي في المقابل سيخدمني ويقف معي إن طلبته أكثر أو سبقته قبل قريبي ، بل سيقدم لي كل الحب والاحترام والتقدير ، وكل أنواع السبل والوسائل في سبيل كسب أخوته وصداقته وأيضا بقربه مني ، بعكس من كان عليهم ومن الأولى أن يكونوا هم معي كعزوة لي في حياتي وقبل مماتي ، وفي تعبي ومحنتي ومصيبتي ، ومع ذلك كله .. فسيظلون هم الأولى بالنسبة لي ، وكونهم لازالوا يمثلونني كـ : أقربائي مثلا أو كأجواري وأحبابي أو كأصحابي وأصدقائي وزملائي ، فكلهم قد تربيت ونشأت معهم على الحلوة والمرة ، فخالط وجالست ، وعاشرت وتواصلت معهم ، لأجد البعض منهم اليوم أول البائعين لي لا الشارين ، والمكابرين غير المتواضعين ، والبعيدين غير القريبين .. إلخ ، وكل هذا لم يكن إلا من أجل حب النفس وشهوتها ، ومن أجل تحقيق الفوائد وتبادل المصالح في هذه الدنيا الفانية وزفرتها ، ولمطامعها التي ملأت جيوبهم وبطونهم قبل عقولهم ، فزادتهم كبرا وطمعا وجشعا ، ثم قست على قلوبهم وانتزعت منهم كل ما بنوه مسبقا باسم العيش والملح ، ليرموها ويحملوها على دنياهم التي لم تكن لتغيرهم سوى أنهم كانوا هم القساة والجناة على أنفسهم ، بل وسببا حقيقا لكل ما جرى لهم من هلاك ودمار مع مرور الزمن ، ولأنهم قد غيروا جلودهم واستبدلوها بجلود غير جلودهم ، وأيضا بقلوب لم تكن إلا قاسية وخاوية من الرحمة والألفة والمحبة ، ثم عابوا على زمانهم والعيب فيهم ، ونسوا أن الزمان قد تبرأ منهم ومن كل أفعالهم الظاهرة والباطنة .
1 ping