منذ مائة عام مضت ، أتى شاب لا يتجاوز سنه السادسة والعشرون ربيعاً ، ليرسم خارطة ومعالم حاضنة الإسلام، وبلاد التوحيد ، متحدياً معوقات وصعوبات تلك المرحلة ، مستخدماًدينه و فكره وعلمه، متخذاً للإقناع عنوان مسيرته ، حتى جمع شتات المتناثرة في بقاع الجزيرة ، حينها أدرك من ترعرع واختلط عرقه بهذه الأرض أن ذلك الشاب يحمل رؤية تقوم على العيش بسلام والمساواة بين الأفراد ، فكانت الرياض هي الخطوة الأولى عندما نادى المنادي " الحكم لله ثم لعبدالعزيز " هنا أتقن الشاب رسم ملامح نهجه ومبتغاه حتى وصل إلى رسم حدود هذه البلاد ، فعمم رؤيته إلى أن وصل بتفجير خزائن الأرض واستخراج ( أسْوَدها ) ، هنا بدأت النهضة التنموية في بلاد التوحيد ، تلى ذلك أبناء الملك الموحد( عبدالعزيز ) ، حيث سار الجميع على نهجه ، كل منهم يحمل الرؤية نفسها ويطور ما يواكب الزمان ورجاله إلى آخر من توفي منهم الملك ( عبدالله ) طيب الله ثراه ...
ها هو التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى ، ملك الحزم والعزم يجري تعديلات واسعة طالت سدة الحكم ، جيل الشباب يعانق السماء ويصل لمفاصل مهمة في الدولة ، أمنياً ولي العهد( محمد بن نايف ) ، دفاعياً واقتصادياً ولي ولي العهد ( محمد بن سلمان ) كل منهما له النهج نفسه ، يشتركان بالمحافظة على كيانها ويلتقيان بأن " الوطن والمواطن خط أحمر لا مساس لا مساس " ..
وعلى رغم ما يحيط البلاد من تغيرات على الساحة السياسية لدول الجوار والشرق الأوسط ، والهجمات المغرضة في الداخل والخارج ، وما يمر به الاقتصاد العالمي من ظروف ، والحرب مع اليمن ، وسياسة إيران الملتوية ، وفوضى المليشيات في العراق وسوريا ، ونكران الجميل من لبنان وتأرجح العلاقة الغربية الإميريكية ، يكون اسم " المملكة العربية السعودية " حاضراً في المشهد وبامتياز ...
نعم إنها النكهة السعودية نتذوق حلاوتها ، وهناك من يتجرع المرارة تارةً تلو تارة ، فلا غرابة في تصريح صحيفة " صنداي تلغراف " عندما ذكرت " الملك سلمان بن عبد العزيز يحكم الآن أكبر بلد مصدر للنفط في العالم، والسياسة السعودية النفطية يمكنها أن تهز الاقتصاد العالمي"
هنا نفخر بسعوديتنا ، ونزداد تمسكاً بها .
مرةً أخرى يبزغ نور فجر جديد ، ليأتي الحفيد ، يحمل معول التشييد ، لعصر مجيد ..
" محمد بن سلمان " والرؤية السعودية ٢٠٣٠ ، ربما بدأت معالمها مبكراً ، حيث استلم هذا الملف وهو بهذا العمر وهو الاختيار الأمثل ، فعند قراءة هذا الملف نجد قوته تكمن بصاحبه وعناوينه الرئيسة ، وهي بناء وطن قوي ، بدائل للنفط ، مؤشرات للأداء ، رقابة منظمة ، رفاهية للمواطن ..
لا جدال بأن بلادنا تمتلك أهمية اقتصادية كبرى لدى العالم ، فكثير من اقتصاد دول بالمحيط وخارجه قائم على الاقتصاد السعودي ..
ولكن الأمير الشاب استوعب مجريات الأحداث وتقلباتها ، فكان طرحه قريباً للتغيير الذي أتى به ( جده ) الملك عبدالعزيز منذ تولي الحكم في الرياض عام ١٩٠٢ م ، أي ما يقارب ( ١١٤ ) عام ، فكان هناك التغيير من حال إلى حال ، جمع الشتات وثبت الأمن والأمان ، وهنا رسمٌ لرؤية جديدة لاستقرار قائم لشموخ دائم ..
لننظر قليلاً للتحول في السياسة النفطية وهي أحد أهم ركائز ملف التحول الوطني حسب المعطيات التي طرحت للحديث مؤخراً فالمتابع للسوق النفطية السعودية وقدرتها الهائلة على الانتاج المتواصل ، يجعلنا نبحر في كيفية استغلال هذا السلاح وجعله وسيلة جذب للاستثمارات الخارجية ، وجعلنا من بلد منتج ومصدّر للنفط ، إلى بلد مصنّع وجاذب للمستثمر ، والعامل الأهم في ذلك هو ثقة المستثمر الخارجي بمتانة الاقتصاد السعودي وثباته ..
كما أن لشركة أرامكو السعودية صيتها اللامع في السوق العالمية ، فبيع ٥٪ من أسهمها جدير بجذب أعتى الشركات العالمية لاستثمار اسهمها والمتاجرة بها ..
كما أن المتتبع لاقتصاد الدول الفارقة والمحافظة على ثباتها يجد أن هناك إجراءات قامت بها أدت إلى تحسن دخل أفرادها ، فكانت بدايتها دعوة المستثمر الخارجي والعمل معه وفق أطرها العامة وما يعود بالنفع لها ، لننتقل لما يدور حول ملامح إنشاء صندوق استثماري في البلاد وأثره على الاقتصاد الداخلي للدولة ومستوى دخل الفرد نجد بأنهافكرة رائدة وفريدة ، فعلى سبيل المثال النيرويج تمتلك أكبر صندوق استثماري بالعالم ، حيث يمثل البترول الخام ٥٧٪ من إجمالي الاقتصاد النيرويجي المتنوع ، مما جعل مستوى دخل الفرد لديها الرابع عالمياً،ولنا أيضاً في التجربة الإماراتية مثال في ذلك ، لننظر هنا مالذي يجنيه اقتصاد دولتنا والفرد السعودي من إنشاء صندوق استثماري بمبلغ تريليوني دولار أي ضعف الصندوق النيرويجي الأعلى في العالم ؟!
كذلك لخصخصة قطاعات الدولة أهمية كبرى للرقي بخدماتها والعمل بأعلى المستويات ، فقطاع التعليم والصحة أرض خصبة لجذب رجالات الأعمال والمستثمرين وتسابقهم لتقديم خدمة أفضل للمواطن السعودي ، شرط ألا يطغى الكسب المادي على النوعية والمخرج النهائي فالتعليم والصحة تمثلان " أمة وطن وكيفية المحافظة عليها " ، فخللهما كفيل بنسف خطة تنمية بأكملها ...
ولأميرنا الشاب مفاهيم جديدة لقياس مستوى الأداء في أجهزة الدولة ، فالأداء المتناثر والذي يسير بلا هوية ، مضيعة للوقت والمال ، وهو ما يصبو إليه حامل الملف ، للحد من الهدر وقياس الأثر ...
رؤية جديدة نتطلعها جميعاً كما ورد على لسان أحد الشعراء :
إذا ناضلت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
أنتم لها أميرنا الشاب ، فالسعودية كيان ، مستقرها في القلب مكان ، ونرددجميعاً : " يا بلادي واصلي والله معاك .. واصلي واحنا وراك ..واصلي والله يحميك .. إله العالمين "
كتبه / بدر بن نشاء الرشيدي
مدير الإشراف التربوي بتعليم حائل