هناك عبارات لها روعة البلسم ومثابة كف الأذى وأجر رفع الحزن عن الأرواح المتعبة والمرهقة ، فما أجمل قول وعبارة بعض الصالحين ( من سار بين الناس جابراً للخواطر ، أدركه الله في المخاطر ) .
سيأتي الموت يوماً ، سيحل ضيفاً كريهاً ، وسينزع الروح من الجسد ، سيودعك الأخ والأب والصديق والأم والأخت ، سيغادر أحدهم ويهاجر إلى الأبد وفي النفس غصة تجاهه ، وغضب تافه لا يقارن بمأساة رحيله ، سيغادر دون وداع مسبق أو إعتذار أو حتى سلام وعناق ، فما أقسى وداع المحبين والإصدقاء ومن كان عزيزاً ورفيقاً وملازماً والأكثر قسوة أن يختطفه الموت دون أن يستأذنه أو يستأذنك بالرحيل ، ويحرم الجميع فرصة الإلتقاء لأجل الإنتقاء والتطهر من الخطايا والذنوب ، سيأتي يوماً نتمنى أن نسترجع الزمن لنعيد ترتيب أولوياتنا ، لنغير مسار تلك الطرقات التي سرنا عليها ، سنتمنى لو عاد بنا الزمان لنتبسم كثيراً ولانستهلك لحظاتنا بالغضب أوالحزن ، أو لو عاد بنا الزمان لنجلس طويلا نحادث والدينا وأصدقائنا وعدم الصمت لأوقات طويلة لعدم رغبتنا بالحديث ، أو لوعاد بنا الزمان لنعتذر لكل روح جرحناها أو آلمناها وتسببنا لها بجرح غائر أبكاها طويلا ، فلوعاد بنا الزمان لما استصغرنا عقول بعضهم واحتقرنا مجالستهم ، واهتممنا بهم وأسعدناهم باستماعنا لرواياتهم السامجة وأحاديثهم الصغيرة فهي تعني لهم الكثير ، ولو عاد بنا الزمان لأغدقنا الهدايا على تلك القلوب الجميلة مهما كانت قيمتها المادية تافهه تعبيراً عن تقديرنا الكبير لهم ، ولو عاد بنا الزمان لحدثنا بعضهم بإحترام وإجلال لأنه يستحق ذلك ولا لغة تقف أمامه سوى لغة الإحترام ، ولو عاد بنا الزمان لإلتمسنا الأعذار لبعضهم وأحسنّا نوايانا تجاههم حتى لا نفقدهم بسبب سوء ظن ، وتعنت فكر ورأي ، وغرور ، ليتنا نتعلم مبكراً أن نخبر صاحب العيب بعيبه مباشرة وبلطف وبهمس لايُسمع فهو المعني الوحيد بتغييره ، ولا نخبر غيره بعيبه ونقصه ففي الأولى نصح وحب وأجر وفي الثانية غيبة وزور وكراهية ، فإن رضيت عن أحدهم أخبر عندئذ غيره بحسن عمله وصفته ، وإن لم ترضى عنه فأخبره هو بعينه ولوحده وتحدث إليه ، فستكسب ثقته وقلبه وحبه ، فوالله إن الحياة قصة تراب قصيرة ( من تراب -على تراب -إلى تراب ) ثم أبدية من حساب فثواب أو عقاب . إذن فلنعش لله فقط لنسعد أنفسنا ونسعد غيرنا ، فانصح ولا تفضح وعاتب دون أن تجرح . ومن لايحب نفسه سيعجز عن حب الأخرين ،فكم من مقولةٍ بريئةٍ حُمّلت أكثر مما تحتمل وفهمت بشكل مغاير تماماً أو كلمة أخذنا منها مايرافق هوانا وتركنا ما لانرغب بسماعه ، فزاد شق القلوب وتباعدت الأرواح فسوء الظن دمر عقولنا وبيوتنا وعلاقاتنا .
لقد سُئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقيل له من هو الأفضل أخوك أم صديقك فقال "ما أحلى أخي أن يكون صديقي وما أحلى صديقي أن يكون أخي" .
وقال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه "ما أعطي العبد بعد الإسلام خيراً من أخ صالح" ، فإذا وجد أحدكم وداً من أخيه فليتمسك به فسلام على من دام في القلب ذكراهم ، وإن غابوا عن العين قلنا يارب احفظهم وارعاهم . فيارب زد تآلف أرواحنا ووثق رباط محبتنا إلى أن نساق للجنة زمراً.
همسة في أذنك لخلاصات تجاربي الصغيرة ، فاسمعها مني :- " إن العاقل إن أخطأ تأسف والجاهل إن أخطأ تفلسف ، فتعلم من العمر الذي مضى أن الدنيا سلف ودين لامحالة . وأن سهام الليل لاتخطئ أبداً فاتق دعوات منتصف الليل لأنها ستصيب في العمق . فالحياة زائلة وستنتهي بأي لحظة ونحن على غفلة ، فاجعل زادك ورأس مالك وثروتك التي لاتنتهي كلمة حلوة وحسنة ووجه بشوش وأخلاق عالية كريمة فوالله إن قمة الثراء أن تملك قوت يومك ، والصحة في بدنك وروحك ، وأمانك في بيتك ووطنك ، فاسمع من الاخرين شكواهم وغضبهم وبعض نجواهم لك ، وتقبل عذرهم حتى يسمعوا منك ويتقبلوا عذرك ، وتأكد أن كل الذين دُفنوا في القبور كانوا مشغولين باليوم وبالغد وعندهم مواعيد ولقاءات وأعمال ، وفي نياتهم أمور كثيرة لم يسعفهم الوقت ليحققوها ، فهانحن نرتب السرير وندفئ الغرفة أو نبردها ونعطرها ، لننعم بالموتة الصغرى ، ولكن هل رتبنا أعمالنا وبردنا قبورنا بالطاعات وعطرناها بالعبادات ، لننعم بالموتة الكبرى ؟ .
ليتنا ندرك قبل الرحيل أن في قلوبنا نبتة صالحة تحتاج أن نسقيها بالخير والطاعة لتتفرع وتُخرج بستاناً من الحب والسلام الداخلي ، وتعلم أن تكون دائماً عزيزاً ، شامخاً ، وإياك أن تنحني مهما كانت الظروف وقهر أيامك ، فربما لاتأتيك الفرصة كي ترفع رأسك مرة أخرى ، فالوقوف على قدميك يمنحك مساحة صغيرة في هذا العالم المترامي الأطراف ، ليجعله بين قدميك ولكن الوقوف على مبادئك يمنحك العالم كله ، ويجعله بين يديك ، وأحرص على ألا تكثر من الحب لشئ قد يقتلك تعلقك به ، أو يقتله رحيلك عنه ، ولا تبحث خلف الأمور المغلقة فقد يكون في جهلها راحة للقلوب وكم تكون أجمل لو بقيت مجهولة ، فبعض الظلام راحة للعيون والقلوب وهدوء للروح ،
وتأكد في نهاية المطاف أن الكلمات كالبذور تُغرس في القلوب فلنحترس في انتقائها ولنكن واعظين بلسان فعلنا ، لابلسان قولنا ، ونراعي كل كلمة ، وسكنة ، وحركة ، حتى لانخسر بسببها أرواح سترحل يوماً، فحتماً سيتوقف النبض ، ويجف القلم ، وتشل الأطراف ، وتنقطع الأنفاس ... فكن قريبا من كل روح تلهمك ، تهمك ، تحبك ، تخاف عليك ، وتجاوز عن أخطائها ، فقد تستيقظ يوماً وقد هجرتك في رحلةٍ لاعودة فيها ولا فرصة أخرى للرجوع أو حتى للإعتذار .
26 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓