( مذكرات بدويه ) -6-
{ شواف ومطره }
انقشع ليل مثخن بالندى عن وجه القريه المشع بلون الرمال الذهبيه المحيطه بها شمالا وهضبتها الرسوبيه
كتلال من قصب السكر في جهتها الجنوبيه
رنين النجر وتغاريد طيور (ام سالم) معزوفه خالده في مقدمة صباحات قريتي الشماليه (أصفان)
رائحه أعواد الغضا المحترقه والبن والهيل تسكب في صدر النهار أنفاسها الهاذيه بحياه الباديه المتجدده بالأمل والحيويه
لوحه أكثر دقة لحياه الباديه يرسم تفاصيلها (شواف) وزوجته (مطره) التي قدمت تحمل أبريقا تفوح من فوهته البخار المتصاعد مع الانسام البارده
قدمت وكفيها ملفوفتان بالقماش وضعت الابريق وبدأ شواف ينزع قطع اللفافات عن يديها ويصب الماء على كفيها الحريريه ويفرك بقايا حناء البارحه وكأنها طفلته المدلله في صباح العيد
ثم
يدخل يداه لجيبه ويخرج أساور ذهبيه أنشغل بإحاطتها حول معصميها بينما ابتسامة (مطره) تتسع مع كل خشخشه للاساور في يدها
اعتلت وجنتيها الحمره تعثر لسانها بالكلمات لم يكن يصغي لها بعنايه بقدر ماكان حريصا على لحظ بريق الفرح على محياها الجميل الموشوم بشمس مشعه على جبينها الوضيء
تخونها الكلمات لكنها تلثم جبينه مرات عده اثناء انحنائته على كفيها
هذه اللوحه الهاذيه بالحب مستنسخه بأغلب بيوت البدو
تكاد تختفي خلف ستار ثقيل من الحياء يلف حياة البدويات ..
ويعبرن عنه بتلميحات خجوله في كل سانحة تهديها لهن ساعات حياتهن اليوميه الضاجه بالأعمال الروتينيه
الرتيبه
أما مطره التي تترقب قطيع الأبل بعد الأصيل في لهفه وهي تدخل وتخرج من خدرها وتأتي بأغصان الغضا وتلقيهن أسفل القدر المنصوب فوق النار المشتعله..
وتزيح الدلال الصفراء عن الجمر الاحمر المتوقد وتضع الهيل والزعفران في فوهاتهن ثم تطبقهن وتعيدهن قريبا من النار مرة أخرى
وهي تنتظر حبيبها
بعد الغسق يكون شواف قد استلقى على فراشه متعبا متوسدآ ذراع مطره
وهي تقلب شعره بين اصابعها كما تقلب الأم شعر وليدها
وتحكي له ( حزاويها) حتى ينام
بين نحرها وانفاسها
وقد زرعت الصحراء له في احلامه
أزهار بنفسج واقحوان
وذكرته بحكمه ايضآ قد نسيها
(مطره) البدويه لاترى ( شواف) مجرد زوج
فهي تستدير حوله كل صباح تترجم كل نظره ونبره من طفلها الذي تغفر له اخطاءه حتى قبل ان يبررها مؤكده انه يولد داخل كل أنثى عاشقه (أم) أخرى لمعشوقها
(شواف) نموذج البدوي الذي يكابد مشاق الحياه خارج خيمته قدمت له الحياه حنان (مطره) وتدليلها
ورؤيتها لكل مساوءه بعين الأم الغافره على الدوام
المعطاءه دون شروط
(السند) كما يحب ان يقول لها وهو يعلمها كيف لاتخطيء في اصابات (البارود)
وربما لوكانت مطره الحنونه عكس ذلك لمات شواف كمدا من قسوة حياة الصحراء
شواف لم يكن مدللآ على الدوام
فقد يقلب موجات الراديو وقد غشاه النوم قبل أن يعثر على محطه إذاعيه مناسبه بعد يوم عمل شاق
وقبل ان يأخذ نصيبه من دلال مطره
التي قد تأخذ نصيب صويحباتها من( الجمريه) المعده له ليسمرن على ضوء السراج وتبادل الحزاوي بعد نومه
لتكن ضحكاتهن آخر عهد القريه بيوم مضى سجله البدو في طي النسيان بانتظار يوم آخر يعبر بهم محطه أخرى من الزمن الغافي على صفحات الرمال الذهبيه الصافيه
بصفاء حياة الباديه
...
البدويه : ( حنان مسلم الرويلي)
12 pings
إنتقل إلى نموذج التعليقات ↓