ما يجري في تلاع جبال أ جا بمدينة حائل : مبادرة شبابية بحته ، جديرة بالتأمل ، مفرجة للكرب ، باعثة للامل المشرق .. انها تقول بلسان صريح : ان ارادة الانسان الخيِّرة اقوى من جميع التحديات ، كنا نواجه في منازه جبال حائل عناءً ، وهمّا ، وغمٌّا ، وفوضى مستحكمة ، ونفايات متراكمة .. فلنحفل مما يحدث في الجبال اليوم ( حائل تبي منا ) .. شعاراً للتطبيق لا للترديد والغناء ، ولنجعل منه رمز حياة جديدة للتحدي والنصر ولنذكر جميعاً ان تقدمنا اذا اقتضى في جانب منه الصبر والاعتماد على مشاريع الدولة فان جانباً اخر لا يستهان به تحل مشاكله ؛ الارادة الجماعية الخيّرة ، والتصميم النبيل ، والعزيمة التي لا تلين .. سوف تمر الايام وتتابع الاجيال وتظل عظمة " الافعال " الشعبية منارة يسترشد بها في ظلمات الوجود كلُ وطنيٍ عاشق لوطنه ، كما تظل جمرةً تلسع الحاسدين من اعداء الشعب وحريته .
.. تجربة شبابية قيِّمه بهدف استثارة اهتمام الناس بالبيئة وتهيئة الفرص لدراستها واقتراح الحلول لها ، الحق انه مما يسر ان يحظى الشباب من خلال السياسة المرسومة لتربيته بما يقيم له قاعدة تجمع بين استثارة الفعل وسلامة الجسم ، اضافة الى ذلك نرجو ان يستفيد من ذلك الاسلوب التعاوني الذكي في فتح مجال جدير للتربية الوطنية والانسانية ..
.. تجربة ناجحة بكل المقاييس. .. فلو احسن استغلالها بالمحاضرات العامة والندوات المتخصصه في مواقع العمل لعلاج قضايا كالبطالة والعنصرية والارهاب والمخدرات .
... تجربة وطنية ، وظاهرة صحية واخلاقية حظيت بالحب والاعجاب واقبال الشباب ، المسألة بكل بساطة : من طبيعة التنمية ان تخلق مشاكل جديدة هي ( مشاكل النمو ) فالجو الذي نعيش فيه والهواء الذي نتنفسه والماء الذي نشربه والبحار والاودية والجبال كلها تتلوث وتفسد وتتراكم فيها عناصر الفساد نتيجة تكاثر وتكاثف دخان المحروقات وعوادم الصناعة وتراكم المواد الكيميائيه والنفايات ، فكانت مبادرة الشباب ،
تحية لكل فرد منهم ، كل منهم وفق بعمله وموهبته في اهداء السعادة الى قلوب كثيرة ، .. فالوطنية احساس .. شعور مجهول في اول الامر يولد في الانسان اذا وجد دافع يحييه في ذاته ، ويبلوره فاذا الوطنية حب ولا شيء اقوى من الحب .. ولا انسان اشجع من المحب .. الوطني انسان يحب ، ولكن حبه يتعدى المادة ويتجاوز الذات ، هو يحب وحبه من نوع خاص ، هو لا يحب ليتمتع ، ولكن ليمتع شيء اسمه وطن ، وليعيش شيء اسمه شعب ، ولتمتع رقعة ترابية اسمها. : ارض ، وطن. ، شعب ، .. تلك هي العناصر الثلاثة التي تستحوذ على قلب الوطني وعلى تفكيره واحساسه .. ولكن الوطني انسان قبل كل شيء ، وهو انسان لا ككل الناس .. شهدت حائل خلال الاسبوع المنصرم هبة شبابية نحو معالجة النفايات وتلوث البيئة حملت بين طياتها آثاراً جانبية كان لها تأثير مباشر على البيئة الجبلية والبيئة العامة المحيطة بنا ، عانت المجتمعات المحلية في كثير من البلدان مشاكل بيئيه جديدة بجانب مشاكلها القديمة فامتد العمران داخل المدن وخارجها امتداداً عشوائياً ونشأت تجمعات سكانيه لا تتوافر فيها مقومات البيئة الصحية كما ظهرت مشاكل صرف لمتخلفات الصناعة الجديدة واصبح التكدس السكاني وعجز المرافق العامة والضوضاء وتلوث الهواء والماء من المشاكل التي يعاني منها الكثير .
ابناء حائل شبابا وشيباً تطوعوا للكفاح من اجلها لاجلاء العدو عنها ؛ عدوهم اليوم : النفايات التي تراكمت في الجبال والتلاع بفعل المتخلفين ، وقد تناسوا ما فعل المتخلفون في منازههم .. حركة مباركة صادقة انطلقت من ساحات حائل ، شرارة نشاط يقظ نرجو ان لا تنطفي حتى تحقق اهدافها وهي تدل على ان الناس قد ضاقت بموقف الانتظار والسلبية وعزم الناس ان يواجهوها بالعمل المثمر ومراجعة الموقف الحضاري على ضوء العصر ومتطلباته وهو ترجمة عن اتجاه وطني اقوى واعمق نحو التقدم والنهوض
.. ابناء حائل المبادرون ، في صميم طبيعتهم ما يؤهلهم لمواجهة العصر بجميع تحدياته ، لا اقول هذا عن عاطفة وطنية تجيش بها الصدور ولا من أمانٍ يتعلق بها من الخيال والحلم ولا متغافلا عما يمزقنا من سوء الظن بالمستقبل ولكنها الحقيقة التي بهرت الرحالة الغربيون قبل قرن ونصف القرن تقول الليدي بلنت :
( اجتزنا بقريتين تقعان على بعد حوالي الميل الى يسارنا هما الوقيد ( النيصيه ) والوسيطاء ومن احدهما انضم الينا بعض القرويين المتجهين الى حائل راكبين الحمير ، بدا الامر بشكل اكثر حضارة من كل ما رأيناه منذ غادرنا سوريا ليست المدينة حائل زائدة البهاء حيث ان معظم الدور يختبيء ضمن غياض النخيل والسور الذي يحيط بها لا يتجاوز ارتفاعه العشرة اقدام الا بقليل وبالرغم من مشاعر القلق التي كانت تعتريني ، سوف لن انسى ما حييت الشعور الغامر الذي انتابني حينما دخلنا المدينة من جراء النظافة والاناقة البالغة للحد للاسوار والشوارع التي بدت بمظهر اقرب ما يكون الى الخيال منه الى الواقع ! أ هـ . )
حياتنا من صنع ايدينا ، لم يرض احد من الشباب ان تكون حياته كريشة في مهب الريح لا تثبت على حال ولا يعرف لها مستقر ، بل لم يطمئن الى هذه الصورة التي تجعلهم دمى متحركة وخُشُباً مسندة لا روح فيها ولا حياة ، لا احسب احدا منهم يرضى ان تكون منزلته دون منزلة الحيوان الاعجم العامل النشيط ، لا لا بئست هذه الصورة وبئس مصدرها ، انها صورة بَشِعة قاتمة تفتك بعزائمنا وقوانا وتبعث الجزع واليأس الى قلوبنا وتوحي الينا بالخمول والكسل واليأس في اعمالنا .
لعلي في غنى عن ذكر الفوائد والدرس المستفاد التي يجنيها الشباب من تلك المبادرة الشبابية الخيرة والتجربة التطوعية الناجحة وكان من نتائجها :
_ حث الشباب والناس والمنزل على الاهتمام بالقضايا الداخلية النافعة لا سيما النظافة والمظهر الحسن واستشعار الجمال
_ الارتباط الوجداني والعقلي بالوطن مما يخرج الشباب من اللامبالاة والسلبية
_ تكوين نواة عاطفية للانتماء الوطني وفي ذلك ما فيه من تدريب لخلق المواطن الصالح بالاضافة الى تزويد الشباب بقدر لا يستهان به من الثقافة الاجتماعية والحس الحضاري .
شكرا شباب حائل تمسي الاماني صرعى دون مبلغكم ، فما تقولوا لشيء بعد اليوم : ليت ذلك لي !
سعود بن مشعان المناحي
حائل في ١٤٣٨/٢/١٤هـ