في مثل ذلك اليوم، قبل خمسة أعوام، لم تعد سوريا كما كانت. أكثر المتشائمين، أكثر السوداويين، وكل من كان يستعد للحريق السوري الكبير، بما في ذلك المتآمرون، لم يكن يخيل اليه، سوريا التي نراها اليوم.
ليست ترفا هذه الخلاصة. حدق في عيون أي سوري، او عربي، فستراها. تمشَّ في شوارع عاصمة الحضارات دمشق، فستشاهد ما لم تكن تتصوره للوهلة. تأمل صور الألم من حلب وتدمر ودير الزور والرقة وحمص وجبلة وتلبيسة وطرطوس وعين العرب والحسكة وادلب. ما من عالم مفجوع اكثر من اهلها.
ما من حرب اكثر بشاعة، برغم كل ما كان يقال بأن كل الحروب مقيتة. هذه الحرب مختلفة. انها دمك الذي ينزف امامك. تخيل أصابع الصغار معلقة بأطراف النجاة في عرض البحر. تخيل جنديا نفدت ذخيرته وهو محاط بوحوش العصر. تخيل متظاهرا ظن ان العالم يدور حول افكاره، وانه ما ان ينزل الى الشارع حتى تصير سوريا وردية.
تخيل كل ما يتسع له خيالك، من مشاهد لانفجارات وغارات وحفلات مجون الذبح على الهوية والعرق والعشيرة. تخيل اكثر، الجوعى والعطشى والمطوقين بالخوف من ان يصلبوا امام ابنائهم. تخيل العالم القتيل، والشاعر القتيل، والجندي القتيل، والطفل القتيل، والركام الذي صار شاهدا على عنفنا وظلمنا وعصبياتنا، وعلى أعمارنا التي انطوت تحتها، وتذكر مؤامرات «الجيران» و «الاخوة» الغدارين والرايات السود ورايات الاستعمار التي رفرفت في كل مدينة وحي وشارع، وتذابح المتصارعون تحتها. تذكر اناشيد التكفير التي لم تكن تسمعها من قبل، ووجوه الاسلاميين الضالين المنتظرين حور العين.
تخيل ان يقتلك شقيقك! تخيل ان كل ما بنيته بعرقك وعرق اجدادك جرفته انهار الدم. وان الكل مقتول ولو لم تمسسه رصاصة.
هنا شهادات، لا تعكس صورة سوريا التي نراها الآن ، ولا هي لائحة بالكوارث السورية، هي بعض الحقيقة، وهي بعض ما لا يوصف من الالم. تذكر ذلك اليوم في العام 2011، عندما قلنا ان سوريا لن يمسسها الشيطان.. لكنه فعل.