أول ما بُدءَ به من الأذان
صوت الإنسان
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحيّنون الصلاة ليس يُنادى لها، فتكلموا يوماً في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل بوقاً مثل قرن اليهود، فقال عمر : ( أولا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة ؟ ) فقال رسول الله : » يا بلال قم فناد بالصلاة «(1) .
قال ابن حجر رحمه الله: إشارة عمر بإرسال رجل ينادي للصلاة كانت عقب المشاورة فيما يفعلونه، وأن رؤيا عبد الله بن يزيد كانت بعد ذلك والله أعلم(2).
فائدة: قال ابن حجر رحمه الله تعالى: كان اللفظ الذي ينادي به بلال للصلاة، قوله: ( الصلاة جامعة )(3).
خبر الأذان
ثم لما اهتم المسلمون كيف ينادون للصلاة، فلم يتابعوا اليهود ولا النصارى في دعائهم للصلاة ـ لأن الإسلام جاء بمخالفتهم في نصوص كثيرة بحيث تعتبر مخالفتهم أصلاً من أصول الدين لغرض حماية جناب الدين من التشبه بهم في الظاهر المؤدي إلى التشبه بهم في الباطن ـ .
وكان قد اهتم عبد الله بن زيد بهذا الأمر الذي يعتبر من أمور المسلمين، فرأى في نومه خبر الأذان، فأخبر النبي فقال: » إنها لرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به، فإنه أندى منك صوتاً « .
ثم سمع عمر الأذان فخرج يجر رداءه ويقول: والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل ما أُري، فقال رسول الله : » فلله الحمد «(1).
وكان عمر قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوماً استحياءً (2).
صِيَغُ الأذان
أولاً: أذان عبد الله بن زيد بتربيع التكبير وتثنية سائر الأذان بغير ترجيع .
فعن عبد الله بن زيد قال: لما أمر رسول الله بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة، طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يده، فقلت: يا عبد الله، أتبيع الناقوس؟ قال وما تصنع به؟ فقلت ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك ؟ فقلت بلى، قال: فقال: تقول:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر
أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله .
أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله .
حيً على الصلاة، حيَّ على الصلاة .
حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاح .
الله أكبر، الله أكبر .
لا إله إلا الله .
قال: ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال: وتقول إذا أقمت الصلاة:
الله أكبر، الله أكبر
أشهد أن لا إله إلا الله،
أشهد أن محمداً رسول الله،
حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح،
قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة،
الله أكبر، الله أكبر
لا إله إلا الله(1). الحديث .
ثانياً: أذان أبي محذورة بتربيع التكبير، وتثنية سائر الأذان مع الترجيع .
والترجيع: أن يأتي بالشهادتين مرتين، ثم يرجع مرة ثانية فيقولها ويمد بها صوته .
فعن عبد الله بن محيريز، وكان يتيماً في حجر أبي محذورة، حتى جهزه إلى الشام، قال: قلت لأبي محذورة: إني خارج إلى الشام، وأخشى أن أُسأل عن تأذينك ؟ فأخبرني أن أبا محذورة قال له:
خرجت في نفر، فكنا ببعض طريق حنين، مقفل رسول الله من حنين فلقينا رسول الله في بعض الطريق، فأذن مؤذن رسول الله بالصلاة عند رسول الله ، فسمعنا صوت المؤذن، ونحن عنه متنكبون، فظللنا نحكيه ونهزأ به، فسمع رسول الله الصوت، فأرسل إلينا حتى وقفنا بين يديه، فقال رسول الله :
» أيُكم الذي سمعت صوته قد ارتفع ؟ « فأشار القوم إليّ وصدقوا، فأرسلهم كلهم وحبسني، فقال: » قم فأذن بالصلاة « فقمت، فألقى عليّ رسول الله التأذين هو بنفسه، قال: قل: » الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر
أشهد أن لا إله الله، أشهد أن لا إله إلا الله
أشهد أن محمداً رسول الله
أشهد أن محمداً رسول الله
ثم قال: » ارجع فامدد صوتك « ثم قال: قل:
أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله
أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله
حي على الصلاة، حيّ على الصلاة .
حي على الفلاح حيّ على الفلاح .
الله أكبر، الله أكبر،
لا إله إلا الله .
قال: ثم دعاني حين قضيت التأذين، فأعطاني صرة فيها شيء من فضة، فقلت: يا رسول الله: مرني بالتأذين بمكة، فقال: » قد أمرتك به « فقدمت على عتَّاب بن أسيد، عامل رسول الله بمكة فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله (1).
وفي رواية أخرى، قال:
وعلّمني الإقامة مرتين .
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر .
أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله .
أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله .
حيّ على الصلاة، حيّ على الصلاة
حيّ على الفلاح، حي على الفلاح
قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة
الله أكبر، الله أكبر
لا إله إلا الله(2).
اختلاف أهل العلم في الترجيع في الأذان:
وقد اختلف أهل العلم في الترجيع في الأذان، هل هو سنة أم لا ؟ فذهب مالك والشافعي وأحمد إلى أن الترجيع في الأذان ثابت مشروع لحديث أبي محذورة ، وهو حديث صحيح مشتمل على زيادة غير منافية فيجب قبولها وهو أيضاً متأخر عن حديث عبد الله بن زيد، فحديث عبد الله بن زيد في أول الأمر، وحديث أبي محذورة سنة ثمان من الهجرة بعد حنين(3).
وذهب أبو حنيفة إلى عدم استحباب الترجيع تمسكاً بظاهر حديث عبد الله ابن زيد . وأجابوا عن حديث أبي محذورة في ذكر الترجيع، أن ما رواه أبو محذورة كان تعليماً فظنه ترجيعاً(1).
الترجيح: والراجح مذهب الجمهور لما تقدم من استدلالهم، ويرد تأويل الحنفية لذكر الترجيع في حديث أبي محذورة ما رواه الترمذي عن أبي محذورة أن النبي علّمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة(2).
اختلاف أهل العلم في الإقامة مثنى مثنى أم فرادى ؟
واختلف أهل العلم في الإقامة، هل هي مثنى مثنى كالأذان ولكن بغير ترجيع، أم فرادى مرة مرة إلا قد قامت الصلاة فتثنّى على حديث أنس ؟ فذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن الإقامة مثنى مثنى مثل الأذان، وأن إفراد الإقامة كان أولاً ثم نُسخ بحديث أبي محذورة ، وهو متأخر عن حديث أنس فيكون ناسخاً.
قال ابن حجر رحمه الله :
وعورض بأن في بعض طرق حديث أبي محذورة المحسنة التربيع والترجيع فكان يلزمهم القول به .
وقد أنكر أحمد على من ادعى النسخ بحديث أبي محذورة ، واحتج بأن النبي رجع بعد الفتح إلى المدينة وأقر بلالاً على إفراد الإقامة، وعلّمه سعدَ القرظ فأذن به بعده(3).
وذهب جمهور أهل العلم إلى أن الإقامة فرادى، قال النووي: قال الخطابي: مذهب جمهور العلماء والذي جرى به العمل في الحرمين والحجاز والشام واليمن ومصر والمغرب إلى أقصى بلاد الإسلام أن الإقامة فرادى .
واستدل الجمهور بحديث أنس قال: » أُمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة «(1).
وبحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: » إنما كان الأذان على عهد رسول الله مرتين مرتين، والإقامة مرة مرة، غير أنه يقول: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، فإذا سمعنا الإقامة توضأنا ثم خرجنا إلى الصلاة «(2).
الحكمة من تثنية الأذان وإفراد الإقامة:
والحكمة في تثنية الأذان:
1ـ أن الأذان لإعلام الغائبين، فيكرر ليكون أبلغ في إعلامهم، بخلاف الإقامة فإنها للحاضرين فلا حاجة إلى تكرارها .
ولهذا قال العلماء:
ويكون رفع الصوت في الأذان أرفع منه في الإقامة، ومن ثم استحب أن يكون الأذان في مكان عالٍ بخلاف الإقامة .
2ـ أن تكرير لفظ الإقامة خاصة لأنه مقصود الإقامة بالذات(3)ويستفاد أيضاً من هذا التفريق بين الأذان والإقامة:
أن يكون الأذان مرتلاً،
رضوان بن حسن آل فكة
* مؤذن بمكة
الاذان
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.aenalhaqeqah.com/articles/1372491/
4 pings