في وقتٍ ماضٍ ، فتحتُ إحدى الإذاعات التجارية الرائجة هذه الأيام والتي عادة ما تستفتح موضوعاتها الحوارية
من مواقع المنتديات القديمة ماقبل ثورة التواصل الإجتماعي! ، فيسأل المذيع سؤال مقتضب - سخيف غالباً -
عن قضية أستهلك النقاش فيها أمداً طويلاً ، وهي ليست ككل قضية رأي عام بل مشكلة هامشية قد طرأت
في مخيلته أثناء مجيئه لدوامه أو ربما قبل أن يوقع حضوره في العمل.. لا يعني أنك "مذيع" إذاعي تمتلك قاعدة
من "المتابعين" الوهميين الذين اشتريتهم برأس مالك أن كلامك يحتذى به ، فمعظم التغريدات التي يكتبها
هوامير "تويتر" كمثال ، هي مقتبسة قد كتبها عظماء وافتهم المنية.
شدني ذات مرة "هاشتاق" تويتري ليس غريباً أبداً ، بعنوان لنتعلم من الفشل! ، تنظمه إحدى الجهات المعنية
بالتجارة وأثريائها المعروفين! ، هذا الفراغ الذي تشكّل عندنا يولد لدينا هذه التنظيمات المُستهلكة لأجل إثبات
وجود المنظمة نفسها أو الحاضرين! ، فالثراء ليس مقياس جوهري للسعادة ولا يمكن أن أقتنع أن ولداً ورثَ عن
أبيه حياً أو ميتاً ثروة نقدية هائلة قام بتوزيعها لعقاراته الفاخرة أو سياراته الفارهة أن يعلمني أنا المواطن العادي
كيف أتعلم من الفشل! ، فالناجحين الذين نعرفهم جيداً حولنا هم كثر لم يحظوا بفرصة الجلوس على كرسي
في قاعة محاضرات ضخمة ومكيّفة لينصحوا خلق الله بالفشل والإستمتاع فيه.. بمعنى آخر : ماعندهم واسطة!
عندما زُرت إحدى المكتبات لاقتناء كتاب ما ، شاهدت حجم التسويق لبعض "الروايات" مع إحترامي لمؤلفيها
ولمحبيها من القراء ، فذُهلت كيف أن الناس تنجرف إلى شراء "رواية" باهتة وخيالية تحكي شيء في اللا واقع!
وعادة يكتبها أناس لم يتذوقوا طعم القراءة وقليلاً ما يقرأون ، يكتبون بإملاء ضعيف ولغة ركيكة شاهدنا محتواها
الفارغ في أشهر شبكات التواصل الإجتماعي وببالغ الأسف حظيَ أصحابها ببهرجة النجاح الفارغ دون نقد حقيقي
لها.. فكيف يُمكنني أن أحظى بمتابعة وقراءة هذا "السخف" فضلاً عن أني أشتريه بحُر مالي! ، سوف يسألني الله
عز وجل عن هذا المال حتماً! بل إني أستهجن "مُروّجي" الفشل على إعتبار أنهم ناجحين اليوم! ، من هؤلاء وماذا
قدّموا للمجتمع وهل كانوا بأموالهم وثرائهم الذي يعرفه القاصي والداني أن يلتصقوا بالنجاح رغماً عن أنوفنا؟ ، هل
لكي أبدو ناجحاً أمام الناس أن أستل "قلمي" فأكتب عن فشل لا أعرفه! .. أو أن أقوم بشراء متابعين من الوهم لإيهام
الناس بأني ناجح في "تويتر"؟ ، أو أن أستغل ثروتي الواسعة لأبدو إنسان عظيم وأقول لهذا العالم : تعلموا يا فاشلين!
الأيقونة التي تريدها للنجاح الحقيقي هي "صمتك" في مواجهة الظروف! ، إصرارك الداخلي للوصول ، وحُبك لفعل الخير
هي نتاج أفعالك لأهلك وذويك ومحيط عملك ، هي تحدياتك المتواصلة وشغفك بها ، هي أن تمسح دمعة محتاج في وقت
أن فيه محتاج! ، هي اليد التي تمدها لمن "ينافسك" بشرف لأنك دونه لن تتعلم كيف تخوض الحياة! ، هي أن تصعد بقدميك
للأعلى بشرط ألا تنسى من علمك كيف تمشي.. فإذا أردتم أن تنصحونا بحُب الفشل تعلموا من هؤلاء الناجحين أولاً!
قبل أن تعلمونا "فشلكم" كل مرة.
وليد آل مساعد
كاتب سعودي
@WaledMusaid