من الطبيعي أن يحلم شبابنا بمستقبل واعد؛ يضمن لهم رقيا حقيقيا وحياة وارفة بالتحضر والواقع المبهج... هذا حُلمْ؛ وأكثر هؤلاء الشباب تجدهم حالمين بالتطور والتنمية والنهوض بمجتمعهم ووطنهم، هم بحق شباب يفتخر فيه من ينتمون إليه! وقد حظي التعليم العام والعالي بدعم لامحدود من خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين إيمانا منهما بدور التعليم وأهميته وأنه خيار استراتيجي للنهوض والتطور وتحقيق الريادة في كافة المجالات، وبحكم المكانة العظيمة التي تتشرف بها المملكة ووقوعها في قلب العالم الإسلامي معنويا وجغرافيا، وما حباها الله به من نعم وإمكانات عالية، فإنها تُعد أرضا خصبة ومهيئة للعطاء والتميز البحثي والإنتاج المعرفي والإبتكار التكنولوجي!
كما أن بلادي تمتلك قدرات شبابية وتزخر بطاقات متوهجة وخبرات واعدة تتمثل في أبناء وبنات وطن ترعرعوا على أرضه وشربوا من معينه الصافي؛ تسعى هذه الطاقات للمشاركة قُدما في مسيرة التنمية المباركة وكل ما يفيد الإنسان بعامة والانسان السعودي بخاصة؛ إلا إنها تتفاجأ في جامعاتنا بمن يقول بلسان حال بغيض: لا مكان لكم بيننا!
إن المتأمل في نظام التعيين في جامعاتنا يلاحظ بجلاء التناقضات المُخلة عند المقارنة بين شروطه التعجيزية عند تعيين الكفاءات الوطنية من الشباب المؤهلين بالشهادات العليا وبين شروطه فيمن يتم التعاقد معهم من الوافدين مما أحدث إقصاء واضحا لأبناء الوطن وإتاحة الفرصة لغيرهم من الوافدين وتحقيق غايات المتنفذين في جامعاتنا مما أظهر حالات عدة تحدثت عنها وسائل الإعلام: من التعاقد مع متهمين في بلدانهم، وممن ثبتت تدني مستوياتهم وانحراف أفكارهم، ومزوري مؤهلاتهم؛ مما يستدعي فتح ملف نظام التعيين في الجامعات وإجراءاته؛ للنظر والتحديث بما يتوافق مع مبادىء رؤية المملكة 2030 ومن أهمها التوطين؛ الذي لا يؤمن به كثير من مديري جامعاتنا؛ للاستفادة من قوائم الانتظار من مؤهلي الدكتوراه والماجستير ليحلوا مكان المتعاقد المؤقت!
وسأسرد -للقارئ الكريم- بعض الحالات المحيرة والمؤلمة لبعض شبابنا مع جامعاتنا مما يدلل على تفشي المشكلة وتفاقمها:
○ أتأسف شديد الأسف حينما يقول لي أحد خريجي الدكتوراه في بلادي السعودية: بذل الوطن في سبيل دراستي لمرحلتي الماجستير والدكتوراه الغالي والنفيس حتى تخرجت، وحينما توجهت لبلدي رافقني على نفس الطائرة زميل لي من إحدى الدول في نفس تخصصي لحصوله على عقد فوري مع إحدى جامعاتنا وقلت: هذا فأل طيب... ومازال هذا الشاب حتى تحرير المقال لم يجد جامعة تُرحب به رُغم الحاجة الكبيرة في تخصصه!
○ خريجة دكتوراه من جامعة معترف بها ومعادلة جميع مؤهلاتها على رصيف البطالة من سنتين رغم تميزها ووجود متعاقدات في نفس تخصصها وتقول مع الأسف أتقدم لجامعاتنا ولا أجد إلا الصدود وعدم الرغبة في إحلالي او الاستفادة من خدمتي وتميزي!
○ قابلت دكاترة كُثر يحملون مؤهلات متنوعة وتخصصات متعددة يتحدثون بلسان واحد: لم نقبل في جامعاتنا لأننا لا يوجد لدينا واسطة، والجامعات في غالبها تتعلل بشروط خيالية تجاوزتها مع نظرائنا من المتعاقدين الذين تجاوز عددهم في وظيفة أستاذ مساعد تحديدا (14000) متعاقد ومتعاقدة، وكذلك تم التجاوز مع أصحاب الحظوة لدى بعضها، وبعض القائمين عليها من وكلاء ومديرين!
هذه الحالات تُعد غيض من فيض!... ولا شك أن المسؤولية العلمية والغيرة الوطنية تدعو إلى توجيه العتب الكبير على وزارتي التعليم والخدمة المدنية لحدوث مثل هذا الهدر وتداعياته وهما في سبات عميق وكأن شيئا لم يحدث؛ رغم العديد من المطالبات. مما جعل النداءات تتجه نحو رئيس المجلس الإقتصادي أمير الشباب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان؛ لما لهذا الهدر من آثار خطيرة على مستقبل الوطن العلمي والاقتصادي، والأمل بسموه في توجيه من يراه لوضع الحلول الكفيلة بإحلال أبناء الوطن في الجامعات الحكومية والاستفادة من خبراتهم وتميزهم، ومعاقبة كل من وضع مصلحته قبل مصلحة الوطن، نسأل الله لوطننا وأبنائه العزة والتمكين وأن يكون منارة تهتدي بها الأمم في كافة الأصعدة وأن يحفظ علينا أمنه وأمانه.
✍ بقلم د. فايز بن سالم