تمر الصحافة بتحول كبير جعل منها شيئاً جديداً, يختلف كثيراً عن الصحافة التقليدية. من حيث المحتوى وسقف الحرية في الطرح وأيضاً في نوعية الصحافي نفسه.
أثّر دخول وسائل التواصل الاجتماعي وأجهزة الجوال الحديثة في يد كل انسان بشكل كبير, حتى أنتج نوعاً جديداً من الصحافة. كل انسان هو عبارة عن صحافي بل وزارة إعلام لوحده. يستطيع من خلال جهازه نشر أي كلمة أو صورة أو مقطع فيديو في أي وقت ومن أي مكان وعلى الكيفية التي يراها مناسبة.
تعودنا في أزمان مضت وليست بالبعيدة على وجود صحيفة ورقية تصدر يومياً, تحكي أخبار الأمس ويقبع اسم الصحافي الذي أعد الخبر فوقه. وأيضاً أعمدة من المقالات لكتّاب زوايا يبدون آراءهم في السياسة والرياضة والثقافة ومختلف العلوم وما يحلو لهم من شئون المجتمع. ردود فعل القراء ينتظرونها على أحر من الجمر من خلال الصحيفة وبعض وسائل التواصل التقليدية. ولذلك فهم من ينقل هموم الناس ويسلط الضوء على مشكالهم وإيصال أصواتهم إلى من يهمه الأمر. جعل منهم شخصيات اجتماعية مهمة ومؤثرة بحملهم تلك الأقلام ذات السلطة.
يندثر كل شيء وتتلاشى الأقلام وينخفض التأثير مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي. القارئ تغير وعزف عن الجريدة وأصبح كل شيء يأتيه ببساطة وبغاية السرعة وبالصوت والصورة مع التعليق والنقد وبشكل مختصر على جهازه الصغير في يده, والذي لا يفارقه أبداً على مدار الساعة. الخبر الذي يصل بعد ساعات هو خبر قديم, فكل شيء يصل حالاً وبذات اللحظة.
يطرأ تغيير كبير على الصحافيين أنفسهم وظهر جيل جديد منهم يجيد استعمال وسائل التواصل الاجتماعي, لم يعد الصحافي بحاجة إلى رئيس تحرير يراقب مادته الصحافية فيجيز أو يمنع أو حتى يقوم بتعديل مادته الصحافية. ولم يعد الشاعر بحاجة الى مجلة لنشر قصيدته ولا المصور لنشر إبداعاته والأديب لنشر كتبه. ولم يعد هناك حاجة لمعرفة أحد ما له نفوذ في الصحيفة لنشر ما يريد.
النسخة الجديدة من الصحافيين هم الصحافيون التقليديون الذين استطاعوا أن يواكبوا هذه التطبيقات ومجاراتها وممارستها لضمان الاستمرار. ومن لم يستطع ذلك فقد اندثر مع صحيفته. أما الأغلبية فهم صحافيون جدد من مشاهير تطبيقات التواصل الاجتماعي, ممن وصل متابعيهم الى مئات الآلاف بل ملايين المتابعين عند بعضهم. أصبحوا ممن يؤثرون على الرأي العام ويطلقون المبادرات وينتقدون وينقلون ما يدور في المجتمع من أفراح وأتراح وهموم ومشاكل الناس بصورة مختلفة تماماً عما كان معهوداً. بطريقة قد لا يجيدها الصحافيون القدامى.
أصبح لا يهم ولا يؤثر ظهور الخبر على الصحف التقليدية بقدر ظهوره على وسائل التواصل الاجتماعي, حتى أصبح للجهات الرسمية الحكومية والخاصة حسابات رسمية موثقة على هذه المواقع والتطبيقات. لإدراكها تماماً أن من ليس لديه مكان على خريطة وسائل التواصل الاجتماعي فهو خارج النطاق الاعلامي.
سُئل بطل الرالي المشهور يزيد الراجحي عن ضعف التغطيات الصحافية في الصحف التقليدية لبطولاته في الراليات التي يخوضها. فقال أن ما يقوم بتصويره من خلال حسابه الشخصي في تطبيق السناب شات لأحداث الرالي بكل تفاصيله يغني عن أي صحيفة مهما كان حجمها. الكاتب والأديب والشاعر والصحافي المخضرم فهد عافت يقوم بنشر مقاله في أحد الصحف التقليدية, وفي نفس الوقت يقوم بنشره على حساباته الشخصية في تطبيقات التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى شرح عن محتوى المقال بفيديو مختصر لمن ليس لديه الرغبة بالقراءة.
التحول الكبير الذي حدث على الصحافة أشبه ما يكون بطفرة جينية أنتجت مخرجات جديدة من الصحافيين والكتّاب وأيضاً المحتوى. فإما أن تواكب وتسمح لهذه الطفرة الجينية أن تحولك إلى النسخة الجديدة, أو أن تندثر وتبقى ذكرى مع الزمن.
د. عبدالعزيز النخيلان
alnokhilan@gmail.com
alnokhilan.wordpress.com
8 pings
Skip to comment form ↓