كما جرت العاده في نهاية كل عام ، يطل المنجمون عبر أثير الفضائيات في بث مباشر ليدلوا بتوقعات السنة المقبلة بل السنوات المقبله بل القرن القادم, وحدث ولا حرج .
بضاعتهم في رواج ومتابعيهم في ازدياد . الانسان فينا عاطفي الهوى ولديه ميل فطري لاستشراف المستقبل وإماطة اللثام عن غموضه ، يحركنا الخوف أحيانا والفضول أحيانا أخرى .
نحن نتقلب ليلا ونهارا في لهيب الحياة بحلوها ومرها محاولين استخراج مكنوناتها ، كل بحسب طاقته وقدرته . بعضنا يتوقف عند ظواهر الأشياء ، وآخرون يغوصون في الأعماق ويبدعون في استنطاق ادق التفاصيل .
ويبرز هنا صنفان من الناس صنف يجعل العلم والتجربة طريقه ، وصنف آخر مستعجل يجري وراء المنجمين ويستنطق الأفلاك والبخت وحظك اليوم
انه صراع مرير بين العلم والخرافة ، والفكر والأسطورة . وفي الحالتين تبدو أسباب الحراك واضحة .
ربما يتعلق الناس بسنواتهم الماضية ويكثرون الترحم على الأيام الفائتة ، وربما كذلك تكون أجمل أيام العمر عند الناس جميعهم هي أيام الطفولة . بتزايد ما يصحبها من خبرات وتجارب . فإذا ما هرم الإنسان وارتد إلى أرذل العمر ، امتلأت صفحته بتجارب الحياة فقلت قدرته على التوقع وتسرب الملل إلى نفسه وأصبح خيار الرحيل عنده أكثر قبولا . سئمتُ تكاليف الحياة ويسأمِ من هذا المنطلق وهذا المنطق .
أرى المنجمين والسائرين في ركبهم يقتلون الحياة ويفسدون علينا مباهجها . فهم قمة في التناقض ، إنهم يريدون معرفة المستقبل ، لكنهم في المقابل يقللون من الواقع الحالي ولا يعجبهم .
ما هذا التناقض ، أنت لا تستقر على حال ، فطورا أراك تعبر عن نزعة تدعم الوجود وتعطيه معنى جميلا ، وطورا آخر تبدو عاملا من عوامل الملل والاندثار والفناء .
الخلاصة ثقافة التوقعات الفلكية ثقافة مستبده يحكمها المال يمارسها الذين لا يفهمون الوجود.
ألا ترون أن أجل أنواع العلم وأرقاها ما كان من أجل العلم فقط وفي محرابه