لاتتاجر بدينك .. لا تكن قاضيا للنوايا والسرائر ..
لن ترتقي أبدا الى مرتبة إله .. ولن تكون كائن أرقى من البشر ...
لاتختبئ خلف مظهرك الوقور والذي نحبه جميعا ونرتاح لرؤيته لتنصّب نفسك قاضي الأرض ..
لاتنسى أن هناك قاضيا أبديا للسماء والأرض ..
أما أنت .. فشأنك شأننا ..
ستحاسب وحيدا حاملا على كاهلك الصغير والضعيف..
أوزارك ... وذنوبك ... ونواياك ... وأحكامك ... وإتهاماتك ....
تماما مثلنا ..
لاتصنف البشر كما تشاء مخيلتك ويرسمها ظنك
هذا ردئ وهذا حسن ..
هذا صالح وهذا طالح ..
هذا سئ وهذا جيد..
لاتشوهوا الناس بأفكاركم .. وأصابع الإتهام المتربصة البشعة ..
فلولا ستر الله تعالى علينا لانكشفت العيوب ؛ وساد العفن ؛ وتدفق القيح الكريه كالنهر .. ولصعقنا فجعا وخارت قوانا كمدا ممن كنا نراهم منارات حق وعدل وطهارة ... إجعلوا أستار الله تعالى عالم الغيب وما تخفي النفوس ..
قائمة ومسدلة .. لاتكشفوا غطاء الله وستره .. فكلنا نخطئ ونأثم ونتوب .. ثم نخطئ ونتوب ...
ثم إلى الله مرجعنا وأمرنا كله ..
جميعنا نفس المصير والمسار وإن إختلفت الوجهات والمقر الأخير ..
وليس للحساب من عقاب أوثواب فئة مختارة ومقصودة بعينها .
دعوا الناس تنطلق لعفويتها وتعيش فطرتها وتنساب وتنسجم مع الخليقة ..
لاتدنسوهم بنواياكم وأحكامكم الكريهة..
أين أنتم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لو رأوا أحدهم تقطر وتصب لحيته خمرا لقالوا تغاضيا وسترا وحياء من الله .. هذا من أثر الوضوء .
أيها المتدين العفيف .. الذي جعل من نفسه حكما برتبة نورانية يصنف بها الناس ...
لاتجعل إحترامنا لك .. يُنسيك حرمة أخيك المسلم ..فسمعته حرام عليك ؛؛ وإيحاءاتك بشأنه حرام عليك ؛؛ وماتنطق به حرام عليك ..
فإن كان لايعلم فقد إغتبته وإن كان يعلم فقد بهته ..
ولكن قف أمرا لا فضلا عند حدودك الشرعية لتعلم أن ..
.. دينك لك والتزامك لاجلك انت ..
فأنت بحاجته وحدك ..
ولكن ..
تعاملك معي ..لي ..
فأنا بحاجته .. وأنت محاسب عليه ..
ولعل أيها الرجل الورع الزاهد ..
أن ذلك الرجل الغائب الذي ألقيت عليه ظلال الشبهات وخيام الخطيئة وأصناف الفسق والفجور .. هو عند الله أقرب منك ولو أقسم على الله لأبره ... لعله يملك خبيئة يعلمها الله وتجهلها أنت .. لعله بني جبالا من المعروف والحسنات لاتملكها أنت .. لعل رصيده ملئ بالخيرات وأنت المفلس البخيل ورفعته أعماله مراتب عنك ..
خلاصة رسالتي ...
لا أعممها أبدا ولا يحق لي التعميم ...
فما أجمل المتدينون الزاهدون العابدون والمخلصون لله في دينهم وأخلاقياتهم .. هؤلاء يشهد الله تعالى أننا نحبهم في الله وتضج المجالس إحتراما وإستبشارا بمقدمهم والحوار معهم .. هؤلاء هم خلفاء الله في الأرض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .. هؤلاء حصنوا جوارحهم وكبحوا ألسنتهم عن السوء والنميمة .. هؤلاء هم أحباب الله وأحبابنا وما داموا بيننا فرحمة الله لازالت تشملنا ...
أنا أخص البعض ممن استغل إحترام الناس لهيبة منظرهم ووقارهم ..
فيشيح بوجهه وتكفهر ملامحه ويعلو الغضب تقاسيمه ويكف يده عن السلام عندما يرى أحدهم .. حتى تعم الريبة بين الحضور ..بل تصبح إدانة له على جرم لم يرتكبه أو يفعله أو ضُخم فعله حتى أصبح لايغتفر .
ويصنفه من فئة الضالين المغضوب عليهم .. ليتبع رأيه الكثيرون .. لأن هذا المتدين بنظرهم وفكرهم السطحي البسيط ..
أقرب منهم لله ..وممن رضا الله عنهم ..
إرتقوا بظنونكم .. حرروها وأطلقوا سراحها .. ودعوا الخلق للخالق .. وأحسنوا سيرتكم بين الناس ..
فلقد أسرتم وسجنتم ودمرتم الكثيرون بسوء ظنونكم ..
استمع يا هذا .. ووازن ميزانك إن كنت تعلم دينك حقا ... لست قاضيا لتحكم ... لست إله لتقضي .. لست معجزة لتفعل .. لست ملكا لتكتب .. لاتقذف فتقذف .. وإحفظ هيبتك حتى لاتسقط بين الأقدام .
فهل نعتبر ؟ ونستمع ؟ ونتأدب مع الله ؟
ليت قومي يعلمون ... ويعقلون .