ليس هناك ادنى شك بأن العلوم كافة خضعت لتطور عبر العصور منذ آلاف السنين حتى يومنا هذا ، وقد نرى العلم القديم بعين السخرية حيث أنها أصبحت الان من بديهيات العلم، فلولا القديم لم نصل إلى ما نحن عليه الآن من تطور عظيم لذا عندما يتم دراسة أي علم لابُد من دراسة تطور هذا العلم عبر العصور.
ولا يمكن تحديد بداية المداواة تاريخيًا بشكلٍ دقيق ، فيُعتقد أن نشأتها قديمة قدم المرض نفسه والحاجة إليها هو ما يجعلها في ازدهار دائم عبر العصور حتى يومنا هذا. نشأتها بشكلٍ فلسفي هو الحاجة اليها، كما قدم لنا التشريح الحجري القديم (Paleopatholog) أدلة تؤكد على وجود عدد من الأمراض لدى الأنسان ما قبل التاريخ ، وتعبير عصر ما قبل التاريخ لا يعني خلو هذه العصور من بعد ثقافي. وتسميتها بالعصور البدائية يمكن القصد منه وصف بعض الحضارات الخاصة التي تختلف عما جاء بعدها من حضارات لوجود التسجيل والكتابة في العصور الأخيرة ، فما أن بدأ الإنسان بالشعور بالألم او الاعتلال حتى بدا البحث عن الشفاء عن طريق المداواة المادية بالأدوية أو الروحية التي تتعامل مع الأرواح في الكثير من الأحيان . ولا يخفى على الجميع ارتباط الطب بالشعوذة في العصور المظلمة القديمة. فكانت تُقدم القرابين لتخليص الأجساد من عللها أو حتى المعالجة بأساليب قذرة لتخليص الجسد من الأرواح الشريرة حسب معتقداتهم القديمة. فالمعالج عند العصور القديمة يُنتخب إلآهاً في أحيان كثيرة ويعتبر المعبود الشافي ، ومن الآلهات في العصور القديمة هم عائلة أسكليبيوس (Askelepios) في العصر اليوناني القديم فكان اسكليبيوس (Askelepios) الاب لآله الطب وهو رمز الطب حتى يومنا هذا ، وأبنته هيجينا (Hygeia) آله الصحة وهي رمز لصيدلة حتى كتابة هذا النص ويظهر ذلك في تماثيلهم القديمة.
العلم الطبي في حضارة مابين النهرين:
بعد فحص الكثير من اللوحات الفخارية المستخرجه من مكتبة الملك الآشوري بانيبال وجد الكثير من العقاقير الطبية وهي مقسمه كتالي ٢٥٠ عقارًا نباتيًا و ١٢٠ دواءً معدنيًا، كما وجد الكثير من الزيوت وأجزاء الحيوانات والعسل والشمع والمشروبات الفولية والألبان المختلفة كلها كانت تستعمل دوائيًا حتى قبل كتابات ديسقوريد اليوناني في القرن الأول للميلاد. ومن العقاقير النباتية في عصر مابين النهرين: الخروع والنعناع والمر والزعتر والافيون والزعفران. وكانت تقدم بأشكال مختلفة منها المراهم والأبخرة والمنقولات وكمادات الجروح. ولعل أول وثيقة صيدلة تبين كيف قام
السومريون تحضير هذه الادوية كانت قبل أكثر من خمس آلاف سنة.
العلم الطبي في الحضارة الفرعونية:
ومن أهم مصادر البحث في الحضارة المصرية القديمة هي البرديات. ومن أشهر البرديات الطبية أو القراطيس الطبية هي بردية ايبرز حيث حوت هذه البردية فقط ما يصل إلى ٧٠٠ دواء وإلى ما يقارب ٨٠٠ وصفه. ويمكننا القول ان المصريين امتازوا عن البابليين بوضع المقادير لكل المواد المستخدمة بالوصفات الطبية، وامتازوا أيضًا بمعرفة معظم طرق إدخال الدواء المعروفة الآن مثل الغرغرات والنشوقات والحبوب والمراهم والأقراص الكبيرة. ومن العقاقير العشبية التي استخدمها قدماء المصريين: البابونج ،حب البركة القرفة، الكمون، الحناء، الصمغ العربي، الحنظل، واليانسون.
العلم الطبي في الحضارة الإغريقية:
ننوه في البداية هنا أن الرومان اكتسبوا جل مفاهيمهم الطبية وفلسفتهم وأفكارهم من خلال الإغريق عندما سيطروا على اوربا ، وكذلك تأثرت الحضارة الإغريقية بالحضارات السابقة مثل الحضارة الفرعونية وحضارة بلاد مابين النهرين. يمتاز العصر الإغريقي بظهور والاهتمام بالفردية فنجد اسماء أطباء مشهورين يطرحون أفكار وآراء جديدة وهذه الأفكار والآراء تصل إلى الجمهور العادي ليؤدي ذلك بالتفاعل للمناقشات الجدية بدلًا من السحر والشعوذه. وكان من أشهر أطباء ذلك الزمان عائلة أسكليبيوس و أبو قراط (أبو الطب) وكان الأخير هو من فصل الطب عن الكهانة والممارسه الدينيه ، ووضع لطب أسسًا قوية مبنية على العلم و ألف الكثير من الكتب كان من أهمها (المقالات في الطب) ومن أهم مقولاته التي تدل على التفكير المبني على العلم والتجربة قوله "العلم تجربة وقياس"
العلم الطبي في الحضارة الإسلامية:
كان للحضارة الإسلامية نصيب الأسد من تطوير هذه العلوم ففي العصر الذهبي للحضارة الإسلامية تطورت العلوم تطورًا كبيرًا فظهر علماء لا يمكن لتاريخ نسيانهم ومنهم إبن الطبري صاحب أقدم كتاب عربي عن الصيدلة والطب ، وأبو بكر الرازي مؤلف كتاب (الحاوي في الطب) أكبر موسوعة طبية لدى المسلمين العرب وكتاب من (لايحضره الطبيب) وله العديد من الكتب ،هو أحد المؤسسين للكيمياء الحديثة وكان رائد الكيمياء الحيوية، ومن أعلام الطب ابن سينا وهو مؤلف كتب في مختلف أنواع المعرفة والعلم ويقال أن عددها يناهز المئة كتاب، ويعتبر البيروني من أشهر الصيادلة الذين انجبتهم الحضارة الإسلامية ويعتبر كتابه (الصيدنه في الطب) من أشهر الكتب التي أُلفت عن الصيدلة وعلمهم.
كان للمسلمين الفضل الأول لتأسيس علم الصيدلة ففي عصرهم فُصلت الصيدلة عن الطب وأُنشأت له المدارس في بغداد والبصرة والقاهرة ودمشق والأندلس. ففي العصر العباسي في بغداد انشات أول صيدلية في التاريخ، وتم وضع نظام مراقبة الدولة للأدوية ، وكان الخليفة العباسي المعتصم بالله هو أول من وضع إختبار لصيادلة لممارسة مهنة الصيدلة. وربما كان أول من لُقب بصيدلاني هو أبو قريش عيسى الصيدلاني.
العلم الطبي في العصر الحديث:
على المستوى العالمي تطورت مهنة الصيدلة تطورًا هائلًا فقد خرج الصيدلاني عن المفهوم المتعارف عليه سابقًا بصناعة الدواء فقد أصبح الان نقطة الالتقاء الأولى والمتكررة مع المريض لسؤال او الاستفسار عن الصحة والمرض والدواء وتعددت التخصصات الدقيقة لصيدلة وتعددت معها مهاهم هذه المهنة العريقة، وقد عاصرنا وباء كوفيد ١٩ وشاهدنا كيف كان لشركات الصيدلانية الدور الفعال والسريع في صناعة الأدوية لحماية البشرية من هذا الوباء.
في النهاية لا يمكن حصر التاريخ الطبي في مقال أو في كتاب وهنا نضع بين أيديكم مقاله عن بعض التاريخ الصيدلاني عبر العصور.
بقلم الدكتور عبدالعزيز عارف الهمزاني