[ALIGN=CENTER]
[COLOR=red]هدية بنت "الشربتلي"[/COLOR]
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في البداية أحب أن أوضح أنني سأنسج موضوعا من عدة مواضيع لأهمية وترابط الموضوعات بعضها ببعض, فقد أجبرني خاطب بنت الشربتلي مع تركي الدخيل ومخلف الدهام على الكتابة والتنقل من موضوع إلى موضوع. وكل ما أتمناه هو أن أوصل ما أرغب في إيصاله من أفكار متنوعة ومتعددة.
يعرف الكثير منا الهدية المقدمة من خاطب بنت الشربتلي وهي عبارة عن مليون ريال من فئات 500 و 100 و 50 بطريقة تشبه المزهرية مع الورد.. مضاف إليها بعض سيقان الكريستال زيادة في التجميل.. وكأن المال بحاجة لتجميل!!
أبدأ برأيي الذي يشبه تماما رأي الناشط الحقوقي مخلف الدهام.. فقد كانت تلك الفعلة تهاونا في العملة النقدية الوطنية واستخفافا بها يوجب العقاب, إضافة إلى كونها كسر لقلوب الفقراء والمحتاجين الذين يرون الأغنياء يلفون الأوراق النقدية على أشكال ورود لابتكار هدية غير مسبوقة وبقيمة تصل لشراء منزل مع سيارة! وهم "الفقراء" لا يملكون منزلا ولا سيارة والديون تنهش أكثر من نصف الراتب الذي يتقاضون.
من وجهة نظر الفقراء وهم المحتاجون لألف و ألفي ريال ويرون مليون ريال يتم التفنن بها بهذه الطريقة! أن ذلك من أكبر الفسوق وأظلم الظلم.. وعندما قدمت صورة المزهرية النقدية لشخص لأرى ردة فعله.. وكان قد تعرض لحادث ولا يستطيع إصلاح سيارته.. قام بجر صوت طويل جدا ملأه الحسرة والقهر وهو يلتفت يمنة ويسرة زيادة في ألم الحاجة وهو يقول: "وا ويلاه بس" ما يخطبني خاطب بنت الشربتلي؟!!.. عندها ضحكت من ردة فعله المعبّرة في المرة الأولى والساخرة من الهدية في المرة الثانية.
قرأت رد المذيع المتألق والمُحاور الحذق تركي الدخيل على كلام الناشط الحقوقي مخلف الدهام ولي بعض التعليق..
يقول المذيع تركي الدخيل: يحق لشخص أن يشتري سيارة ددسن موديل 77م بمائتي ألف ريال مثلا.. ويقول لو تم ذلك فالبيع صحيح شرعا وقانونا! ولكن الحقيقة عكس ذلك, هذا بيع باطل بكل الأعراف الشرعية.. حتى وإن قال صاحب المال أنني راضٍ بشراء السيارة بتلك القيمة فإن الشرع هنا يحمي ورثته من العبث بأموالهم في المستقبل ويتم الحجر على أمواله. وليس من حق مالك مال أن يتحكم فيه على هواه لأنه أمانة من الله تعالى.
ولو سلمنا بكلام المذيع تركي الدخيل فإننا نفتح أبعادا جديدة في المعاملات. فمن يريد حرمان أولاده من الميراث مثلا.. فإنه يشتري سيارة لا تساوي خمسة آلاف ريال بكل ماله حتى لا يرثوا منه شيئا. ولكن ولله الحمد والفضل والمنة أنه لو فعل أحدهم ذلك فإنه يحق للأبناء إلغاء البيع والحجر على أموال الأب, وهذا عدل الإسلام في حفظ حق كل مسلم من العبث حتى لو لم يمتلكه في حينه.. ضربت لكم مثالا وهذا باب واحد من ألف باب يمكن أن يُفتح فيما لو سلّمنا بما قاله المذيع تركي الدخيل.
المال مال الله يهبه من يشاء بإغداق, ويهبه من يشاء بتقدير.. ويبقى هذا المال أمانة في عنق صاحبه ولا يحق له أن يذل الناس به, أو أن يقهرهم به أو أن يستغلهم به.
في عرف المجتمعات العلمانية الرأسمالية.. أن المال ملك صاحبه يفعل به ما يشاء عدا ما ينافي الأنظمة كالابتزاز أو الاستغلال مثلا, وفي الإسلام الأحكام المالية تدخل في مسائل أكثر انضباطية من الناحيتين التنظيمية والأخلاقية, وفي هذه التنظيمات حِكَم قد تكون أحيانا أكبر من مستوى فهم أو تناول عقل الإنسان المحدود, ولذلك يصعب تقبل بعض الأفكار حتى تُرى النتائج فيعرف الناس حقيقتها وأهمية تطبيقها في المجتمعات.
ولا يمكن بحال من الأحوال أن يقر الشرع أن يهدي شخص شخصا مليون ريال بهذه الطريقة, ولو أهداها كما يفعل الباقون بنقلها من حساب إلى آخر أو في حقيبة مثلا لكان الأمر طبيعيا.. أما أن تكون مهرا يصل إلى مليون ريال وبهذه الطريقة المذلة للنعمة, فإنها تعتبر كارثة في حق المال والمجتمع.
وبالمثال يتضح المقال.. لو أن شخصا وضع خبزة على قدمه وقدمها لشخص.. فهل هذه الفعلة تشبه من قدّم الخبز بيده لشخص؟ أجاوب وأقول: الأول ارتكب محضورا شرعيا وأهان النعمة وأهان الشخص الذي أُعطي الخبز.. بينما الثاني لم يرتكب مخالفة شرعية ولا أخلاقية بالرغم من أن كلا الاثنين قدما خبزا.
الأدهى والأمر أن الهدية كانت من خطيب لخطيبته وهذا كسر لقلوب الآلاف من المقبلين على الزواج بأن يرو مع خطيباتهم هدية المليون بهذا الشكل, وسيكون كل ما يقدمون مجرد فتات تافه أمام هذه الهدية, أما الأغنياء فستتسع رقعة المنافسة بينهم, وقد نرى سيارة من ذهب وبشكل لم نعهده من قبل.. فيتنافس الأغنياء في فن ابتكار الهدايا بينما يتحسر الفقراء من كل الزوايا.
إن ما فعله خاطب بنت الشربتلي جريمة في حق نفسه والمجتمع والعملة الوطنية يجب أن يعاقب عليها, ففعله كسْر للقلوب وإفساد للعقول وإهانة للمال وجحود لنعمة الله تعالى عليه. ولأني لم أرَ زواجا بدأ ببهرجة كبيرة إلا وانتهى بطلاق سريع فإنني أتوقع الطلاق قريبا.. لست أتمنى الفشل لأحد ولكني أستشف المستقبل من خبرة الماضي. فكلما تكلم الناس عن زواج فيه بذخ وتبذير إلا وينتهي بطلاق.
وقد سبق وأن حدث في حائل أن قالت فتاة سأجعل من ليلة زواجي حفلا تتكلم عنه كل نساء حائل, وصدقت حين وعدت.. ولكن بعد عدة أشهر فقط عادت للبيت مع ورقة الطلاق لتكون حديث الحائليات.. ولكن هذه المرة كانت شماتة وسخرية منها ومن زوجها والقصص تملأ الأفواه وتحرك الألسن عنها وعن سرعة طلاقها.
كما أنني سمعت من أحد المشائخ أن زواجا في الشرقية كلّف عشرة ملايين ريال لم يدم أكثر من عام. وأعتقد أن تكرار حالات الطلاق في مثل هذه الزيجات تبدأ من أسباب التفكير في الزواج أصلاً..
فهؤلاء يريدون فقط الظهور والتفاخر.. يريدون أن يملئوا الأرض تكبرا وعلوا.. وهم في الحقيقة أبعد ما يكون في أذهانهم بناء أسرة أو تربية أبناء, وبعد أن تنتهي السهرات الحلوة وينسى الناس ليلة العرس المذهلة وتبدأ الحياة الحقيقية يحدث الطلاق.. لأنه وببساطة وكما يقال... "انتهت الحفلة".[/ALIGN]
[COLOR=blue]محمد المسمار
" عين حائل " خاص[/COLOR]