[ALIGN=CENTER][COLOR=red]
أناسٌ منسيُّون!![/COLOR]
هناك أُناسٌ يعيشون بيننا, ونراهم كسائر الناس, لكن عندما تقترب من أحدهم وتلازمه تنكشف لك أمور مستورة عنك, فسبحان الله علَّام الغيوب, تجده ربما يكون معتزل الناس أو شبه معتزل, الحياء صفة من صفاته, فإذا ضاقت عليه الحياة ومتطلباتها الشاقة من مأكل ومشرب وملبس وغيرها, لا يطلب مساعدة الناس, ولا يسألهم من أموالهم, وقد مدحهم الله في كتابه فقال: ( للفقراء الَّذين أُحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربًا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافًا.............. الآية )
فالكثير من الناس يحسبونه غني وهو في الحقيقة بأمس الحاجة إلى المال.
قيل لأبي حازم - رحمه الله - ما مالُك؟ قال: الرضى عن الله, والغنى عن الناس.
والفقر آفةٌ ومصيبةٌ وبليَّةٌ من أشد البلايا, فلا تستقيم معه حال, ولا يدوم معه سرور, كيف؟ وهو لا يجد ما يسد به جوعه وجوع أبنائه وزوجته, ولا يملك اللباس الكافي له ولأبنائه, ومع شدة حاله تراه عزيز النفس, لا يطلب ماعند الناس, وهو معذور لو طلب, ولكن هي عزة النفس التي قلَّما يتصف بها إنسان, فيا عجبًا لمن هذه حاله ويصبر, أيقن أن الرزق من عند الله فكف لسانه عن الناس, أدرك أن الرزق بيد الخالق فأعرض عن المخلوقين.
ذكر الأصمعي قصة طويلة حدثت له, أذكرها على سبيل الإيجاز:
يقول الأصمعي: بينما كنت أسير في البادية رأيت بيتًا في مكان مرتفع لوحده, فقلت في نفسي: لا شك أن هذا بيت كريم, فأتيته فرأيت رجلًا عند الباب, فلمَّا أبصرني دخل, فدخلتُ, ثم نظر إلي وبكى. فقلت ما يبكيك؟ فأنشأ يقول:
وقفتُ وقوفَ الشكِّ ثم استمر لي****يقينٌ بأن الموتَ خيرٌ من الفقرِ
وباكيةٌ للبَيْنِ قلتُ لها اصْبِري**** فلًلْموت خيرٌ من حياةٍ على عُسرِ
سأكسبُ مالًا أو أموتُ ببلدةٍ****يَقِلُّ بها فيضُ الدُّموعِ على قبري
يقول الأصمعي: فخرجت من عنده إلى الخليفة هارون الرشيد, فذكرت القِصَّة له, فأمر له بألف دينار وقال: لا ترجع إلى بيتك حتى تذهب إليه وتعطيه الدنانير. يقول: فخرجت وذهبت إليه, فلمَّا وصلت إلى منزله لقيته مُقفلًا, فسألت عنه, فقيل إنه دُعِيَ فأجاب. أي: أنه مات.
فلله درُّهُ, ما أعفَّهُ وما أعظم عزة النفس عنده, إذ أنه اختار الموت على سؤال الناس.
وحدثني أحد الثقات قال: كنتُ أعمل معلمًا في إحدى مناطق نجد وفي قرية من قراها قبل عامين, وجاءت معونات خادم الحرمين- حفظه الله- من الأطعمة والملابس وغيرها فأخذوني معهم لأدلهم على منازل المحتاجين, وبينما كنا نسير في السيارة إذ رأينا رجلاً عند شجرة يختبىء تارة ويرفع رأسه تارة, فتوجهنا إليه حتى وصلنا عنده, فسألناه عن خبره فقال ذاك منزلي وأنا لم أطعم شيئًا منذ ثلاث ليال, وفي كل يوم أمص جذور هذه الشجرة الصغيرة وأرجع, وعندما رأوكم أهلي قالوا اذهب إليهم واطلب المعونة فلم أستطع أن أذهب إليكم حياءً, فقلت: أجلس عند الشجرة حتى تذهبون وأرجع إلى المنزل, يقول صاحبي: فأخذناه معنا وأعطيناهم مقدار ما نعطي لمنزلين.
فلما سمعتُ هذه القصة من صاحبي قلت سبحان الله!! هل هناك أناس كمثل هذا؟!! وأين أصحاب المليارات والملايين؟!! وأين زكاتهم؟!! ووالله لو أنَّ كل تاجر ورجل أعمال أخرج زكاته لم يبقَ فقير واحد في هذه البلاد, فضلاً عن الصدقات إذا أرد التجار التصدق.
نقول عسى أن تتغير الحال في السنوات القادمة, وعسى أن تلين قلوب الأغنياء وترحم الفقراء,
هذا ما أردتُ قوله وإن خانني التعبير فالتمسوا العذر لأخيكم. والسلام عليكم.[/ALIGN]
[COLOR=blue]صالح الجسار
" عين حائل "[/COLOR]