[ALIGN=CENTER][COLOR=red]نظرة إلى الأحداث العربية من منظار شرعي 2-3[/COLOR]
جور الراعي أم جور الرعية
الحمد لله أما بعد :
فإن الوالي إذا كان جائرا وظالما فلا شك أن لذلك الظلم والجور أثر سلبي على الرعية , ولا يرتضيه أحد من البشر بغض النظر عن دينه ونوعه ,لأن الظلم مما تأباه النفوس وتنضام منه , ويفوت على كثير من الناس حقوقهم ومصالحهم .
ولكن ما هو الحل ؟
هناك حلان ,
الحل الأول الثورة عليه ومقاتلته ومنابذته , وإن ترتب على ذلك ماترتب من المفاسد .
الحل الثاني : مناصحته مع الصبر والانتظار إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا .
وهذا الحل -أعني الثاني - هو الحل الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم حينما سئل عن كيفية التعامل مع أئمة الجور والظلم فقال سلمة بن يزيد يا رسول الله أرأيت أن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا فما تأمرنا ؟ فأعرض عنه ثم سأله فأعرض عنه ثم سأله الثانية أو الثالثة فقال : (اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم)
وقال صلى الله عليه وسلم للأنصار :( إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ) فأرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى الصبر لا غير
وعن أم سلمة : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (إنه سيكون عليكم أئمة تعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد برئ ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع)فقيل يا رسول الله أفلا نقاتلهم ؟ قال )لا ما صلوا )
فما تركنا صلى الله عليه وسلم لاجتهاد فقيه أو رأي مفكر أو حماسة ثائر , وإنما بين لنا ما سيحدث , وكأنه ينظر إلى واقعنا وأرشدنا إلى الحل , وهو السمع والطاعة والصبر مهما فعل الوالي ما فعل وظلم ما ظلم وجار ما جار إلا أن نرى كفرا بواحا فيه عندنا من الله برهان , فيغير الوالي بشرط ألا يترتب على تغييره مفسدة اعظم .
وليس هذا من باب الذل والخنوع للطغات كما يفسره البعض , بل هو امتثال لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وإن أبته نفوسنا ,
ولم يرشد صلى الله عليه وسلم إلى الحل الأول لا من بعيد ولا من قريب بل العكس حذر منه , وما ذلك إلا لأن حل المقاتلة وإسقاط الحاكم يترتب عليه من المفاسد ما هو أعظم من مفسدة الحاكم الظالم , وذلك لأن الحاكم قد يظلم وقد يسرق المال العام , وقد يكون فيه جور في تطبيق الجزاءات والعقوبات لمن اقترب من حماه , لكنه إذا سقط فنحن قد نسلم من جوره وظلمه ولكننا نقع في جور الرعية وظلم اللصوص وقطاع الطرق (والبلطجية) فلا يأمن الإنسان على نفسه ولا على ماله ولا على عرضه , وخير شاهد على هذا ما حصل في بعض البلدان العربية التي سقط حكامها , فأصبح العقلاء منهم يتمنون جور الراعي ويذكرونه بخير لما ذاقوا جور الجائرين من الرعية .
والله الموفق ...[/ALIGN]
[COLOR=blue]الشيخ / محمد بن مزعل العبدلي
( صحيفة عين حائل ) خـاص[/COLOR]