[ALIGN=CENTER][COLOR=red]المعاصي وعواقبها[/COLOR]
الحمد لله وبعد :
فإن المعصية هي كل ما خالف أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، عواقبها وخيمة في الدنيا والآخرة .
والمتجرئون على المعصية ما قدروا الله حق قدره وما عظموه وما كبَّروه كما ينبغي ، فكفى بالمعاصي شؤماً أن يضمحل من قلب صاحبها تعظيم الله جل جلاله ويهون أمره عليه .
قال ابن القيم رحمه الله : وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله فمنها :
ـ حرمان العلم ، فالعلم نور يقذفه الله في القلب ، والمعصية تطفئ ذلك النور.لما جلس الشافعي بين يدي مالك ليقرأ عليه ، أعجبه ما رأى من وفور فطنته وتوقد ذكائه وكمال فهمه ، فقال له : إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بظلمة المعصية .
ـ ومنها : حرمان الرزق ، قال صلى الله عليه وسلم ": إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه " . تقوى الله مجلبة للرزق وتركها مجلبة الفقر ، فما استجلب رزق بمثل ترك المعاصي .
ـ ومن عقوبات المعاصي : أن العاصي يجد وحشة بينه وبين الله تعالى لا توازنها ولا تقارنها لذة أصلاً فلو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تفِ بتلك الوحشة .
وهذا أمر لا يحس به إلا من في قلبه حياة ،،، وما لجرح بميت إيلام .
ـ ومنها الوحشة التي تحصل بينه وبين الناس ، لا سيما أهل الخير منهم ، وكلما قويت تلك الوحشة بَعُدَ منهم ومن مجالستهم , وحُرِم بركة الانتفاع بهم، وقرب من حزب الشيطان وتقوى هذه الوحشة حتى تستحكم فتقع بين وبين امرأته وولده وأقاربه حتى بينه وبين نفسه ، فيصبح مستوحشاً في نفسه .
إذا كنت قد أوحشتك الذنوب فدعها إذا شئت واستأنس
قال بعض السلف : إني لأعصي الله فأرى أثر ذلك في خلق دابتي وزوجتي.
ـ ومنها تعسر أمور العاصي فلا يتوجه إلى أمر إلا ويجده مغلقاً دونه أو متعسراً عليه .
من يتق الله يجد الأمور سهلة عليه والأسباب متيسرة { ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً } .
ـ ومنها أن العاصي يجد في قلبه ظلمة حقيقية يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم إذا ادلهم .
تصبح ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره ، فإن الطاعة نور والمعصية ظلمة .
وكلما قويت هذه الظلمة ازدادت حيرته حتى يقع في البدع والضلالات والمهلكات وهو لا يدري ، ثم تقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين ، ثم تقوى حتى تعلو الوجه وتصير سواداً فيه يراه كل أحد . قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن للحسنة ضياء في الوجه ونوراً في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق ، وإن للسيئة سواداً في الوجه وظلمة في القلب ووهناً في البدن ونقصاً في الرزق وبغضاً في قلوب الخلق .
ـ ومن شؤم المعصية أنها تجر أختها وتزرع أمثالها وتولد بعضها بعضاً حتى يصعب على العبد مفارقتها والخروج منها .قال بعض السلف : إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها ، وإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها . لا يزال العبد يعمل الحسنة ويألفها ويحبها حتى يرسل الله الملائكة تعينه عليها وترغبه فيها .ولا يزال العاصي يفعل المعصية ويدمن عليها حتى يرسل الله عليه الشياطين تحمله عليها حملاً وتؤزه إليها أزَّاً .
ـ المعصية سبب لهوان المرء على الله تعالى وسقوطه من عينيه ، قال الحسن رحمه الله : هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم .إذا هان العبد على الله فلن يكرمه أحد { ومن يهن الله فماله من مكرم } . إنهم في هوان حتى وإن عظّمهم الناس في الظاهر لحاجتهم إليهم ، أو اتقاءً لشرهم ، فهم في قلوبهم أحقر شيء وأهونه .
ـ ومنها أن العبد لا يزال يرتكب المعاصي حتى تهون عليه وتصغر في قلبه وذلك علامة الهلاك ، فكلما صغر الذنب في عين العبد عظم عند الله .قال صلى الله عليه وسلم :" إن المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار " رواه البخاري . وقال أحد السلف : لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر إلى عظمة من عصيت .
ـ ومنها أن المعصية تورث الذل ولا بد ، فالعز كل العز في طاعة الله { من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً } . وكان من دعاء السلف : اللهم أعزني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك . وقال الحسن رحمه الله : إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين فإن ذل المعصية في قلوبهم ، أبى الله إلا أن يذل من عصاه . وقال ابن المبارك :
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها .
ومن أعظم العقوبات : نسيان العبد لنفسه وإهماله لها وإضاعة حظها ونصيرها من الله ، وبيع ذلك بالغبن والهوان وأبخس الأثمان ، فضيَّع من لا غنى له عنه وعِوَضَ له منه واستبدل به من عنه كل الغنى أو منه كل العوض:
من كل شيء إذا ضيَّعته عوض وما من الله إن ضيعته عوض
ـ ومن عقوباتها أنها تزيل النعم وتحل النقم ، فما زالت النعمة عن عبد إلا بذنب ولا حلت به نقمة إلا بمعصية { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}
إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
وحُطْها بطاعة رب العباد فرب العباد سريع النقم
وإياك والظلم مهما استطعت فظلم العباد شديد الوخم
ـ ومنها أن العاصي دائماً في أسر شيطانه وسجن شهواته وقيود هواه ، فهو أسير مسجون مقيد ، فلا أسر أسوأ من أسر الشيطان ولا سجن أضيق من سجن الهوى ولا قيد أصعب من قيد الشهوة .
ـ ومنها أنها تؤثر في نقصان العقل ، فلا تجد عاقلين أحدهما مطيع لله والآخر عاص ، إلا وعقل المطيع أوفر وأكمل وفكره أصح ورأيه أسدّْ والصواب قرينه والتوفيق حليفه .
ولهذا كان خطاب الله تعالى في القرآن لأولي العقول والألباب { واتقون يا أولي الألباب} { وما يذكر إلا أولوا الألباب } . وكيف يكون عقله وافراً من يعصي الله وهو في قبضته وفي داره ويعلم أنه يراه ويشاهده ، ثم يعصيه وهو غير متوار عنه ويستعين بنعمه على مساخطه ، ويستدعي كل وقت غضبه عليه ولعنته له وإبعاده عن قربه وطرده عن بابه وإعراضه عنه وخذلانه له والتخلية بينه وبين نفسه الأمارة بالسوء وعدوه الذي يتربص به كل لحظة ، ثم يسقط من عين الله ويحرم من روح رضاه ومحبته وقرة العين بقربه ، إلى أضعاف أضعاف ما أعد الله لأهل طاعته. .فأي عقل لمن آثر لذة ساعة أو يوم أو عام ثم تنقضي كأنها حلم لم يكن ، على لذة النعيم المقيم والفوز العظيم ؟ .
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم[/ALIGN]
[COLOR=blue]
الشيخ / سعد بن عبدالله البريك
" صحيفة عين حائل "[/COLOR]