[ALIGN=CENTER][COLOR=red]إطلاله على العنف الأسري[/COLOR]
ترجع الجذور التاريخية للعنف الأسري إلى بداية الوجود الإنساني، وجاءت آيات سورة المائدة لتحمل لنا وصفاً تفصيلياً لأولى ممارسات العنف الأسري في التاريخ الإنساني،قال تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآَخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين(27). وانطلاقاً من ذلك فإن العنف الأسري يعد أقدم أنواع العنف وأكثرها انتشارا. و العنف الأسري يتخذ أشكالاً متعددة تكشف عن اختلال التفاعل بين أفراد الأسرة، ويشتمل على التواصل العنيف بين الزوجين، الأبناء، الوالدين، الأقارب ،العاملين في نطاق الأسرة؛ وتتضمن هذه الممارسات العنيفة الاعتداء الجسدي واللفظي ابتداءً من المستويات البسيطة كالضرب والشتم والتوبيخ والإهانة وانتهاءً بالمستويات المرتفعة كالعنف الجنسي والتسلط والقتل. والعنف الأسري ظاهرة عالمية، فقد أشارت دراسة لمؤسسة منع الإساءة للطفل في مدينة نيويورك أن 92% من الأسر الأمريكية تسيء معاملة أطفالها، وأن انقطاع الحوار بين الأبوين والطفل هو القاسم المشترك لهذه الأسر، وتتمثل الإساءة بمحاولة فرض الطاعة على الأطفال ، وكشفت الدراسة أن ما يزيد على مليون طفل يهربون سنوياً من أسرهم ليلتحقوا بجماعات أو عصابات على أمل أن توفر لهم ما هم بحاجة إليه. وتسجل التقارير أن وفيات الأطفال الناتجة عن العنف الأسري البدني تبلغ في الولايات المتحدة الأمريكية ما نسبته 3% من إجمالي وفيات الأطفال بين عمر سنة إلى أربع سنوات، حيث تأتي الولايات المتحدة الأمريكية في المركز الثاني على مستوى العالم بعد أيرلندا الشمالية، ولا يعني هذا أن بقية المجتمعات في وضع أفضل؛ففي بريطانيا وفقاً لتقارير رسمية يتم قتل 4 أطفال أسبوعياً بأيدي أولياء أمورهم ويموت 200 طفل سنوياً بسبب العنف الأسري أبرز ما تضمنه تقرير الأمم المتحدة لعام 2006م من إحصائيات دولية مهمة عن العنف الأسري، حيث أشار تقرير منظمة الصحة العالمية إلى أن هناك (53000) ثلاثة وخمسون ألف طفل قد توفي على مستوى العالم في عام 2002م نتيجة للقتل، وأن 150 مليون فتاة و73 مليون طفل تحت سن الثامنة عشرة تعرضوا للعنف الجنسي أثناء عام 2002م.ويكشف تقرير الأمم المتحدة لعام 2003م أن واحدة من بين كل ثلاث نساء في العالم تتعرض للضرب أو إساءة المعاملة بصورة أو بأخرى. كما أشارت العديد من الدراسات إلى أشكال أخرى من العنف يحدث من الأبناء ضد الوالدين، وبخاصة من الأبناء الذكور .وجاءت بعض الدراسات لتعطي إحصائيات مخيفة حول ما يحدث من العنف بين الأشقاء داخل نطاق الأسرة تصل لحد القتل والإصابات المزمنة.أما في المجتمعات العربية فإن الأمر لا يختلف كثيراً عن الواقع الأسري العنيف على المستوى العالمي. ففي مصر تكشف دراسة للمجلس القومي للسكان عام 1997م أظهرت النتائج أن 35% من المصريات المتزوجات تعرضن للضرب من قبل أزواجهم مرة واحدة على الأقل منذ زواجهم، وأن الحمل لا يحمي المرأة من العنف، وأن 69% من الزوجات يتعرضن للضرب في حالة رفضهن المعاشرة الزوجية وفي حالة الرد على الزوج بلهجة لم تعجبه، كما أشارت النتائج أن المرأة الريفية تتعرض للضرب أكثر من المرأة الحضرية (أغلب مرتكبي جرائم العنف وأن العنف ضد الزوجات هو أكثر أنواع العنف شيوعاً، وأن العنف ضد الوالدين هو اقل أنواع العنف انتشاراً.
وفي دراسة حديثة بالمملكة المغربية أجرتها وحدة الاستشارات الطبية القضائية أشارت النتائج إلى أن 94.5% من ضحايا العنف الأسري كانت موجهة نحو الزوجات، وفي دراسة عن العنف الأسري في المجتمع الأردني أشارت النتائج أن الزوجات بعانين من تعدد صور العنف وأن العنف الاجتماعي هو أكثر أنواع العنف انتشاراً بنسبة 56% يليه العنف اللفظي بنسبة 53%، وأخيراً العنف الجسدي بنسبة 48% وتشير التقارير الرسمية لبعض البلدان العربية إلى ارتفاع معدلات العنف الأسري،وفي اليمن تم تقدير حجم ظاهرة العنف الأسري بحوالي 20% من حجم جرائم الآداب العامة التي تخص قضايا الأسرة (وفي المجتمع السعودي وعلى الرغم من ندرة الدراسات الميدانية حول ظاهرة العنف الأسري، وافتقارها إلى إحصائيات دقيقة يمكن من خلالها التعرف على واقع العنف في الأسرة السعودية، إلا أن ما أشارت إليه بعض الدراسات تؤكد خطورة هذه الظاهرة المدمرة للأفراد والأسر والمجتمع على حدٍ سواء، كما تؤكد على تزايد وارتفاع معدلات انتشارها؛ فلقد كشفت دراسة الزهراني (2003م) الى انتشار أنماط العنف الأسري الموجه للأطفال في المجتمع السعودي، حيث جاء العنف اللفظي والبدني معاً في المرتبة الأولى بنسبة 33.8% ثم الإيذاء البدني بنسبة 27% ثم الإيذاء اللفظي بنسبة 18.9% ثم الإيذاء والعنف الجنسي من قبل أولياء أمورهم أو غيرهم بنسبة 14.9% ثم الإيذاء اللفظي والبدني والجنسي معاً بنسبة 4.1.%. . وفى دراسة الزهراني (2005م) على ثلاث مناطق (الوسطى، الغربية، الشرقية) كشفت عن انتشار الإيذاء والعنف حيث بلغت نسبة المتعرضين للإهمال 26.6%، والإهانة اللفظية والعاطفية بنسبة 22.8%، والعنف والإساءة الجنسية بنسبة 22.7%، والإهمال المادي بنسبة 18.4%، والعنف الجسدي بنسبة 12.2%، وأخيراً الإهمال الطبي بنسبة 9.4%. . وتأسيساً على ما سبق يتضح الاهتمام المتزايد عالمياً وعربياً ومحلياً بقضايا العنف الأسري، إلا أن الاهتمام والجهود العلمية والبحثية العالمية تسير بخطوات أسرع وفعالية أوسع، بشكل أفضل من تفاعل الجهود البحثية العربية عامة .[/ALIGN]
[COLOR=blue]د/ سمير سعد خطاب
أستاذ علم النفس المشارك –كلية التربية - جامعة حائل
" صحيفة عين حائل"خاص[/COLOR]