[ALIGN=CENTER][COLOR=red]هام وغير عاجل [/COLOR]
سألته عن زميل لي: كيف يستطيع إدارة أموره سواء الأسرية أو الشخصية أو الوظيفية الإدارية بهذه الصورة الرائعة والسلاسة المتناهية بلا تكلف ولا تقاطع أو فوضوية؟، فهو في نظري مرتب في إدارته وملتزم في حضوره للاجتماعات بشكل متميز، حتى في تفكيره ومنطق طرحه هو مرتب بشكل كبير وهذا ينعكس على جودة عرضه للفكرة التي يريد إيصالها وقدرته على الإقناع، أكثر من هذا لفت نظري هدوؤه في الاجتماعات وانصرافه في كل قواه لما يدور وعدم انشغاله بأيّ اتصال خارجي أو تفكير ذاتي!!، فقال لي: باختصار هو يؤمن بالعمل في مربع «هام وغير عاجل» فقط، ولا يقترب من المربعات الثلاثة أبداً مهما كانت الضغوط، أعجبتني هذه الفلسفة الإدارية فقلت هذا باختصار، فما هو تفصيل وتحليل هذا المختصر؟، فقال لي: في حياتنا كلها لدينا أعمال «هامة وعاجلة»، وأخرى «عاجلة وغير هامة» وثالثة «غير هامة وغير عاجلة «، والرابعة «هامة وغير العاجلة»، عندما يأتيه خطاب مكتوب في أعلاه «هام وعاجل» مثلاً، أو يكون لدى صاحبنا عمل من هذا النوع يسنده مباشرة إلى الشخص التنفيذي الذي لا يخطط ويشرع بقدر ما يباشر العمل وينفذ، وهو في تكوينه الشخصي والوظيفي مهيأ لذلك، ويتابعه من بعيد ويحاسبه بعد التنفيذ، وكذا الحال حين يكون العمل «غير هام وغير عاجل» فهو لا يدخل في الأمور الصغيرة، والتفاصيل البسيطة، إذ غالباً ما يشغل نفسه ويصرف ذهنه في التركيز على رسم السياسات العامة والتخطيط الشامل والمتكامل وما عدا ذلك يسنده لمن تحت إدارته وبهذا يتفرغ بشكل تام للهام وغير العاجل، أما عن غير الهام والعاجل فلا مكان له في قاموس صاحبنا لا من قريب ولا من بعيد، فهو لا يضيع وقته أبداً فيه ولا يقف عند مثل هذه الأعمال الإدارية أبداً.
هذه في نظري قاعدة إدارية مهمة وهي مفتاح الجودة والإتقان لمن أراد التميز في حياته الوظيفية التي ترتكز على التفكير الجيد المبني على التحليل والسبر وقراءة الوجوه المختلفة للقرار الإداري قبل صدوره، وبهذا نتجاوز مرحلة التخبط في التعاميم والتناقض بين بعضها البعض مما يجعل من في الميدان يتحيرون في أمرهم ويصمون المرجعية التنظيمية بالعشوائية والفوضوية.
كما أن مثل هذا السلوك القيادي يضمن عدم العيش تحت ضغوط العمل في الدقيقة الأخيرة الذي تعودنه في حياتنا الوظيفية ويسمح للتوصيف الوظيفي أن يأخذ وضعه الطبيعي في بيئة إدارية تحدد الصلاحيات وتضمن جودة التخطيط وحسن التنفيذ المبني على رؤية علمية صحيحة وسليمة، أم أن تختلط الأمور ونظل في مخاطباتنا وأعمالنا الإدارية نتحرك في مربع «عاجل وهام جداً»، فهذا خلل لابد أن نتغلب عليه، في المقابل أن يعيش الإنسان حياته كلها ليس فقط الوظيفية الإدارية في مربعي «غير هام» فهذا في نظري بطانة مقنعة وتضييع للوقت وبعثرة للجهد تحت ستار «الوظيفية».
بقي أن أشير إلى أن من الأهمية بمكان أن يوطن كل منا نفسه ويجيب على سؤال مهم «في أي المربعات أسكن؟»، إذ إن في هذا الجواب تحديداً لملامح الشخصية وضمان للسلامة الجسدية والنفسية والروحية، ومعرفة لمدى قدرتي على تسير أموري كلها حسب ما هو مخطط له في أجندة حياتي المستقبلية بكل روية وهدوء وسكينة، وبهذا نعيش بعيداً عن ضغوط العمل وفوضاوية الحياة والترهل الوظيفي والتخبط الإداري؛ وإلى لقاء والسلام. [/ALIGN]
[COLOR=blue]الدكتور / عثمان بن صالح العامر
" صحيفة عين حائل "[/COLOR]