[ALIGN=CENTER][COLOR=red]من تناقضات مجتمعنا[/COLOR]
عجيب أمر مجتمعنا وهو يعيش كثيرا من المتناقضات بين أقواله وأفعاله ( كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) ... تأمل معي في قضية الإسراف في الولائم أثناء المناسبات والأعراس ... حاول أن تفتح نقاشا حول هذه القضية مع المحيطين بك والمقربين إليك ... ستسمع الكثير من النقد والهجاء والتذمر واللوم من الإسراف والمسرفين في الولائم ورمي الأطعمة في حاويات النفايات ... ستجد أن الكل يحذر من عاقبة إلهية تحيط بنا إن لم نتدارك الأمر ونعود إلى رشدنا ... أنظر لأفعالهم بعد ذلك وتأمل في كمية الأطعمة التي يضعونها في ولائمهم ومناسباتهم وأعراسهم ... حينها ستدرك الفارق والتناقض الهائل بين ماسمعته من أفواههم وبين ماتراه واقعا من تصرفاتهم ... هنا يأتي دور القدوة والنموذج المتسق مع نفسه بحيث تتطابق أقواله مع أفعاله ليكون هو القدوة الحسنة والمثال الذي يحتذى ولكنه مع الأسف نادر الوجود.
نحن لا نجيد فهم المصطلحات مع الأسف، فهي مصطلحات مجردة وفضفاضة وليس لها تحديد واضح وصريح في واقعنا، ولا نفرق بين مفهومي الكرم والإسراف فيختلط المفهومان لدى كثير من الناس فيعتقد المسرف بأنه كريم وربما يعتقد الكريم بأنه مسرف وهكذا.
خذ مثالا آخر على هذا التناقض ( وما أكثرها في مجتمعنا ) ... الكل يتذمر من تكاليف الزواج والمهور ويدعو إلى تيسير الزواج وتسهيله أمام شبابنا وشاباتنا ... سوف تسمع حالة التذمر هذه في كل مجلس وفي كل خطبة جمعة لكنك في كل مناسبة زواج ( إلا ماندر ) ستجد كافة أشكال البذخ والتكاليف الباهضة والمهور المرتفعة ... نضع العراقيل أمام زواج أولادنا وبناتنا ونجعله في غاية الصعوبة وفوق استطاعتهم وبعيدا عن متناول أيديهم ثم نتعجب من انتشار المعاكسات والعلاقات غير المشروعة وعنوسة بناتنا ( يلومون كل شيء إلا أنفسهم ).
وأخيرا خذ هذا المثال الفاضح في التناقض بين الأقوال والأفعال في مجتمعنا ... الكل يتذمر من الحوادث المرورية ومعدلاتها المفجعة والتي تقتل ما يقارب 6000 قتيل سنويا ويخلف أكثر من 60000 جريحا ومصابا ويكلف مالا يقل عن 12 مليارا من الخسائر في الممتلكات العامة والخاصة وكأننا في معركة حامية الوطيس مع عدو شرس لكنك في الوقت نفسه تجد الناس يمارسون كافة أنواع المخالفات المرورية من سرعة جنونية وتجاوز الإشارات الضوئية وشراء السيارات كهدايا نجاح لمراهقيهم الصغار في السن الذين لم يبلغوا سن القيادة لنساهم في ارتفاع معدلات الحوادث المرورية وما ينجم عنها من وفيات وجرحى وخسائر مادية ومعنوية من سنة لأخرى.
متى يتخلص مجتمعنا من تناقضاته؟ أعتقد أن المسألة تحتاج إلى مزيد من الجهود في تنمية الوعي وتحديد واضح للمصطلحات ( Operational Definition ) وقدوات ونماذج تحتذى وقوانين وعقوبات صارمة تطبق على الجميع بلا إستثناء.[/ALIGN]
[COLOR=blue]أ.د عبدالله بن محمد الفوزان
أستاذ علم الاجتماع وعميد معهد البحوث والخدمات الاستشارية بجامعة حائل[/COLOR]