[ALIGN=CENTER][COLOR=red] سؤال النهضة [/COLOR]
هناك مصطلحات متقاربة والبعض منها متماثل، صكها الرواد العرب إبان ثورتهم المعروفة من أجل استقلالهم التام من سلطة الدولة العثمانية، والتي كانت تمثل الخلافة الإسلامية، ومن بعدها الدولة التركية التي حمل لواء العلمنة فيها مصطفى كمال أتاتورك كما هو معروف.. والقارئ في التاريخ يلحظ أن هذا السؤال كان وما زال قائماً يتكرر بهذه الصيغة أو بصيغ مقاربة كلها تؤم إلى الشعور بالهوان والرغبة الصادقة للوصول إلى درجة العزة والحصول على التمكين الذي وعدنا الرب به سبحانه وتعالى.. ومن سؤال النهضة هذا تولدت مئات الأسئلة وانبثق عدد من مشاريع البعث والإحياء في بلادنا العربية والإسلامية التي وإن اتفقت على أهمية النهوض ووجوب العمل من أجل الوصول إلى هذا الهدف العزيز إلا أنها اختلفت في قضايا مفصلية كـ “المرجعية، والشرعية، والمسؤولية الاجتماعية وعدالة التوزيع، والآليات، والدور المناط بدول المحور والأطراف، ودوائر الانتماء الثلاث، وأسس بناء العلاقات الدولية، وما إلى ذلك “.. ومع أن الفكر القومي العربي ساد فترة طويلة في مصر وسوريا والعراق وليبيا و... وآمن به واعتنقه ودافع عنه وحاول تسويقه والتبشير به جمع من المثقفين والمفكرين فضلاً عن الساسة والعسكريين في كثير من بلادنا العربية إلا أنه اليوم طوى صفحته بشكل شبه كامل، ومن بقي من فلوله فقد غيروا لغة الخطاب وتبدلت عنده كثير من القناعات ورحلت من قاموسهم الخاص الشعارات والرايات والقيادات التي جرت عالمنا العربي لمستنقع الدم بطريقة أو بأخرى!!، ولو أردنا أن نحاكم التاريخ فإن ما يجري اليوم في ساحتنا العربية هو انتفاضة حقيقية من قبل الشارع المقهور بحثاً عن خارطة طريق توصله للهدف الذي كان مجرد سؤال وما زال!!.
إنني على يقين ومن خلال دراسة أكاديمية معمقة أن ساحتنا العربية بل وحتى الإسلامية كانت وما زالت تفتقد إلى مشروع نهضوي متكامل، ولا يوجد في نظري من استطاع أن يقدم الإجابة التفصيلة النظري منها والعملي على أسئلة المواطن البسيط فيما يهمه من أمور معاشه المختلفة، وبلغة مفهومة وبسيطة بعيداً عن الشعارات المزيفة والوعود الكاذبة ودون الولوج لعالم التصنيفات والتحزبات والتقوقع داخل كيانات إنتمائية ضيقة.
نعم هناك محاولات جادة “فردية ومؤسساتية” لصياغة مشروع علمي يجيب على سؤال النهضة الكبير، ويقدم حلاً لكثير من الإشكاليات المعقدة والمزمنة في عالمنا العربي المعاصر برؤية عقلية متزنة، ولكن هذه المحاولات غالباً ما تركز على البعد السياسي، والبعض منها عرض للاقتصاد باعتباره الوجه الأخرى للعملة، وهناك من ذكر بالمنطلقات وعرض لبعض التجارب القريب منها والبعيد، وألف مالك بن نبي -رحمه الله- كتاباً سماه “شروط النهضة “ أشار في ثناياه إلى أن مشكلة النهضة في عالمنا المتخلف مشكلة حضارية، ومن المفكرين من أجاب على سؤال النهضة هذا بسؤال أكثر عمقاً وأعظم إيلاماً عاقداً المقارنة بين تقدم الغرب وتخلف العرب، وعلى رأس هؤلاء أمير البيان شكيب أرسلان في كتابه “لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم”!! مع أن المنطق يقول خلاف ذلك؛ إذ إننا نؤمن بدين يأمرنا شرعاً بعمارة الأرض.
لقد قامت مشاريع النهضة في عالمنا العربي وما زالت تؤسس وللأسف الشديد على الهدم والنقض والرفض، ولكن ماذا بعد؟
إن القارئ في خارطة ما أطلق عليه تيامناً “ ثورات الربيع العربي”!! يلحظ أنها جميعاً بلا استثناء لا تملك في نظري مشروعاً نهضوياً مدروساً بشكل صحيح، ولذلك اختطفت أو أنها منحت بشكل أو بآخر لمن كانوا في مرحلة تاريخنا العربي القريب ضمن منظومة أعداء النهضة الساعين إلى وئدها والقضاء عليها، ولذلك كانوا في صراع دائم مع السلطة السياسية وغالباً سيمتد الصدام وستظل الجماهير تلهث وراء سراب.
إن مفكري العرب مدعوون لعقد اجتماع طارئ يعيدون قراءة تراثهم النهضوي ويتدارسون فيه مشاريعهم النظرية ويسبرون أغوار واقعهم المعاش من أجل مستقبل واعد لأمتهم وأوطانهم وبني جلدتهم الأحياء منهم ومن هم في الأرحام.
إننا إذا أردنا النهوض الحقيقي فلا يكفي أن نقول إن العلم هو البوابة التي من خلالها نلج عالم الكبار أو أن الاقتصاد مهم في هذا التاريخ، أو أن الوحدة والاتحاد أكثر أهمية لنا من قبل، أو أننا لابد أن نعود للكتاب والسنة من أجل أن نظفر بالتمكين وتكون لنا العزة والنصر، بل إن من الضروري وبشكل عاجل رسم إستراتيجيات مدروسة من خبراء وأهل اختصاص يقدمون الحلول الناجزة والمتكاملة لبلادنا العربية الفاقدة لذة الحياة وسعادة الدنيا ويجيبون على سؤال النهضة الذي كان وما زال يتكرر في كتابات المفكرين ومقالات المثقفين وتعليقات الباحثين والنقاد القدماء منهم والمعاصرين.
دمتم بخير وإلى لقاء والسلام. [/ALIGN]
[COLOR=blue]الدكتور .عثمان بن صالح العامر
" صحيفة عين حائل الاخبارية "
[/COLOR]