[ALIGN=CENTER][COLOR=red]فساد التعليم [/COLOR]
لا أتحدث هنا عمّا شاع وذاع، وتحدثت عنه وسائل الإعلام المختلفة، وتناوله الكتاب والمحللون من وجود تجاوزات مالية وإدارية في عدد من الإدارات العامة بمناطق المملكة المختلفة !! فهي وإن كانت ظاهرة خطيرة لا يقرها أو يجيزها عاقل أمين نزيه منصف إلا أن الأخطر عندي الذي لا يمكن أن يقدر بثمن عجز التربية والتعليم عن صناعة عقل، وبناء عاطفة، وضبط سلوك، الإنسان الصالح للاستخلاف في الأرض، تلك المهمة التي ندبنا الله لها، وكلفنا القيام بها، والمرتكزة على دعامتين أساس “العبودية، والعمارة”، ولعل من بين المؤشرات والدلائل على العجز الذي يصل بنا ويوصلنا إلى وصم الحالة التي نعيشها بأنها “فساد” ما يلي:
* وجود ضعف ملحوظ ومعروف في كتابة وتحدث الطلبة والطالبات ممن ترقوا في سلم التعليم العام ابتداء من رياض الأطفال وحتى نهاية المرحلة الثانوية، مع أنهم درسوا اللغة العربية، وتدربوا على الكتابة الإنشائية، والتحدث والخطابة سواء في قاعة الدراسة أو أمام الطابور الصباحي وكذا في مناسبات التعليم المختلفة.
* عجز مناهجنا عن بناء الشخصية الوطنية في ذهنية العقلية السعودية حتى بعد إقرار مادة “ الوحدة الوطنية” التي أريد منها أن تعزز الشعور بالانتماء وتقوي معالم الهوية في نفوس النشء.
* وجود البطالة بشكل غريب وعجيب خاصة في أوساط الشباب الفتي مع أن السوق السعودي يتسع لمختلف الجنسيات التي تفد من بلاد العالم بأسره بحثاً عن لقمة العيش في رحاب هذه الأرض الطيبة المباركة.
* عجزنا عن فرض لغتنا في التعليم التخصصي خلاف كثير من العوالم التي تعتز بذاتها، وتفاخر بثوابتها، و تدافع عن تراثها، ليس هذا فحسب بل اعتقاد بعض منا بأن لغتنا العربية ليست لغة العصر، ولا يمكن أن تتواكب مع الرقي والتقدم والتحضر الذي يعيشه إنسان القرن الحادي والعشرين.
* وجود السنة التحضيرية وإقرارها في جميع التخصصات حتى الإنسانية منها والتي تركز بشكل كبير على تعليم اللغة الإنجليزية، واشتراط تجاوزها للحصول على مقعد في الجامعة، ليس هذا فحسب بل وجود سيل من الامتحانات ذات الصلة بالكفاءة والقدرة سواء العامة أو التخصصية تسبق دخول الطالب المرحلة الجامعية، فهذا اعتراف ضمني بعدم الثقة بمخرجات وتقديرات تعليمنا العام الذي يصنف في النهاية بأنه لون من ألوان الفساد ذات الأبعاد والأطياف المختلفة!!
* خوفنا الدائم على تأثر عقائد وقناعات أبنائنا حين احتكاكهم ومعايشتهم مع الآخر، ليس هذا فحسب بل وجود مجموعة وإن كانت قليلة من خريجي التربية والتعليم درسوا العقيدة السلفية الصحيحة سنوات عديدة وبين عشية وضحاها ينخرطون في تيار التكفير المغالي المتطرف ويمارسون الإرهاب أو على العكس تماماً تجدهم يعلنون الحرب على الإسلام من خلال إيمانهم بالليبرالية الإمبريالية ذات البعد التغريبي المعروف!! فأين ذهب ما درسوه في باب التوحيد؟
* ازدواج الشخصية لدى بعض منا،ومن ثم غياب القدوة ذات التأثير الإيجابي الفاعل في نفسية النشء.
* تكرس القيم السلبية والأخلاقيات النفعية والسلوكيات الخاطئة في حياتنا الاجتماعية خلاف ما تلقيناه وما نعرفه يقيناً من أن الكذب حرام، والإخلاص واجب، والاعتصام بحبل الله، والاتحاد، والتعاون على البر والتقوى هي سبيل النجاة، والنظام.. والجدية.. والنزاهة.. والسلامة من الحقد والحسد و...صفات وسمات الشخصية المسلمة في كل زمان ومكان.
* العجز عن قيادة المجتمع وبناء ثقافة إيجابية تهزم العادات والتقاليد السلبية المعشعشة في الذهنية المجتمعية.
* ضبابية الرؤية وغياب الهدف، فالطالب يتخرج من المرحلة الثانوية وهو لا يعلم ماذا يريد، وإلى أين يتجه، وما هي رؤيته للحياة، وتخطيطه لمستقبله.
وحتى تتبيَّن ملامح الفساد ويتضح الأمر لأخي الكريم عليه أن يجري مقارنة سريعة بين ما كان عليه جيل الآباء والأجداد وحالنا اليوم وستصل دون أي جهد يذكر لمواطن الخلل ومكامن الداء، حفظ الله عقول الأبناء ووقانا جميعاً كيد الأعداء
هناك قناعة سيادية، وشبه اتفاق نخبوي، وحديث مطرد في الأوساط الشعبية “الذكورية والأنثوية” على حد سواء عن ضعف مخرجات التعليم العام الخاص “الأهلي منه والعالمي” فضلاً عن الحكومي “القروي والمدني”، ولذلك كان مشروع “الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم العام” الذي يحتاج اليوم بعد مضي كل هذه السنوات إلى “مشروع إحياء” يبعث فيه الروح من جديد، ويعيد طرحه بنسخة معدلة تتلاءم مع معطيات وتحولات وأحداث الساعة!!، ولذات السبب ومن أجل ردم الهوة بين متطلبات الدراسة الجامعية والواقع الصعب لغالبية المتقدمين من أجل الحصول على كرسي في إحدى جامعاتنا السعودية وعلى وجه الخصوص في التخصصات التي يطلبها سوق العمل السعودي والعالمي كانت “السنة التحضيرية” التي يعتقد أصحاب القرار أنها مشروع تعليمي مؤقت حتى يتحسن حال التعليم العام بشكل كامل وبحلول جذرية وشمولية، ولذا أسندت إلى مؤسسات القطاع الخاص وما زالت وربما ستبقى على هذا الحال كثيراً!
الغريب أن هذا الركن الشديد في مسار التنمية والنهوض في أي بلد من بلاد العالم كان وما زال يعاني في بلادي الغالية من الفساد الذي تحدثت عنه في مقالي السابق وبتوسع.. فعلى الرغم من الرحلات التي سُيرت، والتجارب التي استُجلبت، والحلول التي جربت، والأفكار التي دونت، والقيادات التي تعاقبت، واللوائح التي أصدرت ودبجت، والخطب.. والكلمات.. والوعود.. والعهود.. إلا أن المنحنى بانحدار وبشكل سريع وعجيب وللأسف الشديد! ليس فقط في الجانب المعرفي العلمي بل التربوي والأخلاقي والقيمي، مع أننا غيّرنا وزارة المعارف إلى التربية والتعليم لهذا السبب على وجه الخصوص، أكثر من ذلك تم تغيير الشعار أخيراً لكي نسلك طرقاً جديدة لتحقيق أهدافنا التي نرنو الوصول إليها، إيماناً منا بقول القائل “الأفكار والشعارات القديمة تجعلك تسلك طرقاً وتنهج سبلاً لا تتلاءم ومعطيات ومتطلبات العصر”!!
لهذا وذاك فإن هناك استبشاراً كبيراً بإعلان ميلاد هيئة مستقلة لتقويم التعليم العام ترتبط برئيس مجلس الوزراء ويكون من وكدها:
- تقويم أداء المدارس الحكومية والأهلية واعتمادها، وتقويم البرامج المنفذة في مؤسسات التعليم العام “الحكومية والأهلية”.
- إعداد المعايير المهنية واختبارات الكفايات ومتطلبات برامج رخص المهنة للعاملين بالتعليم العام.
إن هذا المشروع الوطني الهام الذي اعتبره سمو وزير التربية والتعليم وفقه الله وسدد على الخير خطاه “بداية المسيرة لمستقبل أفضل، وسيكون بإذن الله الضمان الحقيقي للجودة التي ننشدها جميعاً في تعليمنا العام”، أقول إن هذا المشروع الذي ينتظره المهتمون بالشأن التربوي والتعليمي بفارغ الصبر ومنذ زمن ليس بالقصير يتطلب نجاحه في مسيرته التصحيحية وخطواته المنهجية أخذ مجموعة من الأساس والمرتكزات الهامة حين البدء برسم الإستراتيجيات ووضع الخطط التي من أهمها في نظري:
- احترام عقل الطالب والطالبة ومراعاة مشاعره.
- أخذ مهنة التربية والتعليم من قبل من هم في الميدان التربوي رسالة لا وظيفة.
- مراعاة ظرفي الزمان والمكان والحال التي نعيشها.
- منح كل طرف في العملية التعليمية حقوقه كاملة غير منقوصة قبل مطالبته بأداء واجباته المتعلقة بذمته جراء انخراطه في سلك التربية والتعليم.
- تنمية النقد الذاتي لدى الطالب، وتعزيز روح الانتماء للمجتمع التعليمي لديه، وتدريبه على مهارة الحوار البناء والهادف داخل أسوار المدرسة وخارجها.
- الانفتاح على التجارب العالمية والاستفادة من الأبحاث العلمية المتخصصة ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة بواقعنا في الميدان التربوي.
- منح الصلاحيات الإدارية والمالية للإدارات العامة للتربية والتعليم بشكل صحيح وسليم بعد ضخ الكوادر اللازمة وتطويرها سواء الإدارية أو الهندسية أو الفنية، والتخلص من البيروقراطية المقيتة التي تقف خلف كثير من التجاوزات والهنات محل الحديث اليوم.
- العمل على جعل المبنى المدرسي بيئة جاذبة وملائمة لقضاء الساعات الطويلة دون كلل أو ملل.
- تفعيل المجالس التعليمية في المناطق بشكل صحيح ومؤثر، والاعتماد عليها بعد الله في أخذ الصورة شبة الكاملة عن واقع مناطقنا التربوية.
- مد جسور التعاون مع الجامعات، خاصة كليات التربية فيها.
- تبني أندية أو جمعيات للمعلمين في المناطق التعليمية تقرب وجهات النظر وتسهل التواصل وتيسر التعارف الإيجابي بين من هم في الميدان التربوي بشكل حضاري فعال.
- التوظيف الأمثل للتقنية والتكنولوجيا دون إسراف أو تقتير.
هذا ما عنّ لي هذا المساء في هذا الموضوع الحساس والهام، وقد أعود للحديث عنه في قادم الأيام، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام. [/ALIGN]
[COLOR=blue]د.عثمان بن صالح العامر
" صحيفة عين حائل الاخبارية "[/COLOR]